كتاب "الحياة الروحية في الإسلام - مفهومها و أسسها في الكتاب والسنة"، تأليف الأمام يوسف القرضاوي، يقول في مقدمة كتابه:
You are here
قراءة كتاب الحياة الروحية في الإسلام
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الحياة الروحية في الإسلام
الأساس العلمي للحياة الروحية
ثم هناك أساس علمي للحياة الروحية في الإسلام ، الحياة الروحية في الإسلام لا بد أن تقوم على العلم ، الذين يزعمون أنهم قادرون على أن يتقرَّبوا إلى الله بدون أن يتعلَّموا ، هؤلاء خالفوا القرآن ، وخالفوا السنة ، وخالفوا كبار المربِّين من رجال التصوُّف الأولين .
في عصور التخلُّف ، في فترة من فترات الضعف والانحطاط وُجد مَن يقول ما حاجتنا إلى العلم ، العلم حجاب بيننا وبين الله ، حتى قال بعضهم : إذا رأيتَ الصوفي يقول : حدَّثنا وأخبرنا . فاغسل يدك منه .
وقيل لبعضهم : تـعـالَ نـدرس مصنَّف عـبـد الـرزاق . فقـال : ما حاجتنا إلى عبد الرزَّاق ونحن نأخذ عن الخلاَّق! وقال بعضهم لأهل الحديث : إنكم تأخذون علمكم ميتا عن ميت ، (فلان عن فلان عن فلان ، وكلُّهم أموات) ، ونحن نأخذ علمَنا عن الحيِّ الذي لا يموت (6)! هؤلاء ولا شكَّ مردود عليهم .
وسادة الطائفة الأولون ، كانوا ملتزمين بالكتاب والسنة ، سيد الطائفة أبو القاسم الجنيد كان يقول : مَن لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث فليس منا (7).
علمنا هذا مقيَّد بالكتاب والسنة . . . كلُّ الطرق مسدودة ، إلا مَن سار خلف رسول الله * .
وقال أبو سليمان الداراني : إنه لتقع النكتة في قلبي من نُكَت القوم ، فلا أقبلها إلا بشاهدين عدلين من الكتاب والسنة (8). هكذا وقفوا أنفسهم عند حدود العلم ، الذي يعرِّفهم ما لهم وما عليهم . لذلك لا بد من العلم .
أهمية العلم
العلم هو الذي يُعَرِّف المسلم التوحيد من الشرك في العقيدة ، والحلال من الحرام في السلوك ، والمقبول من المردود في العمل ، والسنة من البدعة في العبادة .
يَعْرف به مراتب الأعمال ، الفاضـل مـن المفـضـول ، حـتـى لا ينشغل بالمفضول ويَدَع الفاضل ، أو يشتغل بالنافلة ويَدَع الفريضة ، والله لا يقبل النافلة حتى تؤدَّى الفريضة (9). أو يشتغل بفرض الكفاية ويَدَع فرض العين ، أو يشتغل بفرض خاصٍّ به ، ويَدَع فرض عين يتعلَّق بإنقاذ الأمة ، أو يشتغل بفرض كفاية قام به غيره ، ويَدَع فروض كفاية تحتاج مَن يسدُّ ثُغُورها فلا تجد ، وغير ذلك .
العلم هو الذي يقف بالإنسان عند حدود الله ، ولهذا وجدنا إماما مثل حُجَّة الإسلام الإمام الغَزَّالي يبدأ كتابه الإحياء ، موسوعته الإسلامية ، وهو ليس كتابا واحدا في الحقيقة ، إنه أربعون كتابا في كتاب ، يبدأ هذه الكتب الأربعين بكتاب العلم ، وفي آخر كتاب ألَّفه ، وهو كتاب منهاج العابدين ، ذكر فيه عَقَبات في طريق السائر إلى الله ، فجعل العقبة الأولى عقبة العلم ، يجب أن يجتازها .
ومن هنا نقول : إن الحياة الروحية ، أو الحياة الربانية ، أو الحياة الإيمانية ، التي يرسمها الإسلام لا بد أن تقوم على العلم ، العلم المأخوذ من القرآن والسنة الصحيحة ، هذا هو العلم ، ولا علم بعد ذلك ، إلا ما وافق الكتاب والسنة ، وكما قال الإمام مالك إمام دار الهجرة ، وهو في المسجد النبوي يشير إلى قبر النبي * ويقول : كلُّ أحد يُؤخذ منه ويُرَد عليه ، إلا صاحب هذا القبر . هذا هو الأساس العلمي .