كتاب " الإنسان والبيئة " ، تأليف مجموعة مؤلفين ، والذي صدر عن دار المأمون عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب الإنسان والبيئة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

الإنسان والبيئة
العلاقة بين الإنسان والبيئة
في دراسة العلاقة بين الإنسان والبيئة محاولة لفهم العلاقة المتبادلة التأثير بين هذين المتغيرين، فوجود الإنسان على هذه الأرض أوجب وجود علاقة مع الأرض التي يعيش عليها، والعلاقة تعني قبل كل شيء وجود مؤثر ومتأثر، وإن اختلفت درجة أثر كل منهما بالآخر، فقد تغيرت هذه العلاقة منذ أن أوجد الله الإنسان على هذه الأرض، ليعبد الله ويعمر هذه الأرض، فقد هيأ الله تعالى للإنسان من الظروف الطبيعية والأشياء ما يساعده في إعمار الأرض وتحقيق سعادته وتكاثر نسله، لكن ضمن قواعد الإيمان ونشاط الخير لصالح البشرية، أي أن الله تعالى خلق كل شيء بقدر وبتوازن دقيق يحقق التوازن البيئي، واستمرار حياة الإنسان بسعادة وكرامة، على هذه الأرض، قال تعالى: (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) سورة الحجر: 19. وقال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) سورة القمر: 49.
وأعظم التغيرات البيئية من بعد آدم عليه السلام، كان طوفان نوح، وكانت إرادة الله في تدمير المجتمعات الظالمة عقاباً لهم، فقد أهلك الله قوم عاد بالريح، وقوم ثمود بالصيحة، وأرسل الله على قوم لوط حاصباً، وأغرق آل فرعون، أي أن التغيرات الكبرى التي كانت تدمر المجتمعات السابقة كانت بسبب كفرهم وابتعادهم عن الإيمان وبسبب ظلمهم، وليس بسبب أسلوب حياتهم في الزراعة أو غيره، وفي البيئة المعاصرة نجد أن أنشطة الإنسان في الصناعة، ومنها أسلحة الدمار الشامل هي السبب المباشر في تشكيل العلاقة السلبية بين الإنسان وبيئته المعاصرة.
لقد تمكن الإنسان من استغلال موارد البيئة لإشباع حاجاته، وأصبح قادراً على العيش تقريباً في جميع البيئات الطبيعية. وحول طبيعة العلاقة بين الإنسان وبيئته نجد أن هذه العلاقة تأثرت عبر العصور بعوامل أهمها:
1. طبيعة البيئة الجغرافية، من مناخ وتربة ومياه وتوفر الخيرات.
2. تجمع السكان وكثافتهم في مكان محدد.
3. إمكانات السكان وقدراتهم العلمية والتكنولوجية وخبراتهم في استغلال الموارد ومدى الاستفادة منها.
وحول هذه العلاقة ظهرت ثلاث مدارس تحدد طبيعة العلاقة بين الإنسان والبيئة وهي:
1. المدرسة الحتمية (الجبرية)، (Determinism school):
* يمثل القرن التاسع عشر الميلادي العصر الذهبي لفكر المدرسة الحتمية، وعلينا هنا أن نعود إلى واقع وجود الإنسان في فترات 1800م، حيث كانت بدايات التحول من الزراعة إلى الصناعة، والانتقال من السكن، من تجمعات بسيطة في عدد سكانها، من القرى والأرياف إلى بدايات تشكيل المدن الصناعية ونموها، ولم يكن للآلات، ولا للصناعة، ولا للتكنولوجيا دور كبير واضح في نمط حياة المجتمعات، أي أن البيئة هي كل شيء في حياة الإنسان، ويرى أصحاب الفكر الحتمي أن لهذه المرحلة خصائص هي:
- أن للبيئة الطبيعية الوزن الأكبر في تشكيل طبيعة العلاقة بين الإنسان وبيئته.
- إن الإنسان مُسيّرٌ وليس مُخيراً في تعامله مع البيئة المحيطة به.
- قدرة الإنسان في تحدي معوقات البيئة الطبيعية محدودة.
- البيئة هي التي حددت نمط عيش الإنسان، وطريقة تفكيره، ونفسيته، وتوجيه أفكاره، ولون بشرته وشكل جسمه، ومكان سكنه ونشاطه.
- أن البيئة ألغت قدرة ورغبة الإنسان في تحدي الطبيعة.
2. المدرسة الإمكانية (Possibilism School):
- ازدهرت أفكار هذه المدرسة في بداية القرن العشرين.
- ارتبطت أفكار هذه المدرسة بقدرة الإنسان في التأثير في البيئة الطبيعية، مع وجود تقدم ملحوظ في التصنيع وإنتاج الأدوات والآلات، واستغلال هذه المنتجات في تمكين الإنسان من العيش في كافة الظروف البيئية، كالعيش في المناطق الباردة جداً، مثل آلاسكا، أو العيش في المناطق الحارة جداً، مثل الربع الخالي في الجزيرة العربية.
- تتلخص فلسفة هذه المدرسة في أن الإنسان قوة فعالة ومفكرة وقادرة على التفكير والتطوير، وهو سيد البيئة والمسيطر عليها.
- الإنسان هو الذي يحدد نمط استغلاله لموارد الطبيعة.
- مظاهر العمران المختلفة، والتقدم العلمي التكنولوجي الذي أدى إلى التأثير في البيئة بشكل فعّال، يدعم فكر هذه المدرسة التي تؤكد دور الإنسان في رسم علاقة مميزة بالبيئة الطبيعية.
3. المدرسة التوافقية (Probabilism School):
ويقوم فكر المدرسة التوافقية على التمازج بين المدرستين الحتمية والإمكانية الذي يؤكد حقيقة اختلاف البيئات، فما زالت بعض البيئات ينطبق عليها فكر المدرسة الحتمية، وبيئات ينطبق عليها فكر المدرسة الإمكانية.
- حيث إن البيئات الطبيعية في مناطق الأرض ليست واحدة، فما زالت هناك حتى يومنا هذا بيئات طبيعية لم يدخلها الإنسان، ولم يُغيّر من الصورة التي خلقها الله عليها، وهناك بيئات العواصم، والمدن الصناعية الكبرى التي أثر فيها الإنسان بشكل كبير.
وتسمى هذه المدرسة بالمدرسة الواقعية لأنها تبين العلاقة ما بين الإنسان وبيئته كما هي موجودة فعلاً بدون تحيز لجهة دون الأخرى.