قراءة كتاب عصر إنحطاط الإمبريالية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عصر إنحطاط الإمبريالية

عصر إنحطاط الإمبريالية

كتاب " عصر إنحطاط الإمبريالية " ، تأليف أحمد عز الدين ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2006 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 3

وبين هذين الأسلوبين فى تخفيض درجة الإحساس الوطنى بالخطر ، توصيف ما حدث ويحدث بغير حقيقته ، أو حصر ما حدث ويحدث فى زمانه ومكانه ، باستخدام كل أساليب السحر الممكنة ، للنظر إلى الانقلاب الاستراتيجى فى الإقليم ، وإلى دور الولايات المتحدة ، من زوايا نظر تتسم بالخداع ، وإذا كان الأمريكيون قد قلبوا صفحة المقاومة العراقية الباسلة ، وغطوها بورقة انتصــار زائف وناقص ، حصلوا عليه بالخديعة والرشــوة، فقد قلبوا - أيضا- صفحة جرائم الحرب التى ارتكبوها فى أنحاء العراق ، وغطوها بصفحة الفوضى التى فتحوا أمامها الأبواب ، سلبا ونهبا وتدميرا ، فلم يجر التركيز إعلاميا فقط على مظاهر الفوضى والسلب والنهب ، والتغطية على مظاهر التدمير والإبادة ، وإنما جرى تسويق تفسير وحيد للفوضى والنهب المنظمين ، جرى إلحاقه بالنظام الذى كان قد لفظ أنفاسه الأخيرة ، وفى كل الأحوال فقد استخدمت كل الدعاية المبذولة عن بشاعة النظام المتسلط ، للتغطية على كل حقائق استخدام القوة الأمريكية المطلقة ، التى رفعت القوة التقليدية إلى مستوى أسلحة الدمار الشامل ، ووظفت يوميا طاقة تدميرية من الصواريخ والقنابل ، فى قصف بنية العراق ، وشعبه ،تكافئ استخدام عشرة رؤوس نووية تكتيكية .

وعندما جرى تصوير اندفاعة سكان العشوائيات ، والمهمشين ، لنهب بغداد، لم يجر فقط تصوير الشعب العراقى على أنه شعب لص ، وإنما استخدمت صور سرقات اللصوص المنبوذين اجتماعيا ، فى دوائر الفقر المنتفخة حول بغداد ، للتغطية على صور أكبر عملية سرقة لمقدرات أمة فى التاريخ ، تقوم بها دولة ليبرالية ، بأسم الحرية والديموقراطية والتحديث .

ولم يستنتج أحد من ذلك أمرين على جانب كبير من الأهمية :

الأول : سقوط النظرية الليبرالية ذاتها ، التى ظلت ترى أن الدولة السلطوية وحدها هى التى تتميز بالعدوان ، إذ تمثل الحكومة الديموقراطية، بحكم ديموقراطيتها رغبات مواطنيها المسالمين ، وهكذا فنحن أمام نظرية ليبرالية فاسدة، تعبر عن تمثيل سياسى واجتماعى فاسد، بدليل أنها لم تعبر عن غير مصالح نخبتها المحتكرة ، وهى نخبة عدوانية وضيقة الأفق .

الثانى : أن الأخطاء الاجتماعية ، لابد أن يتم دفع ثمنها سياسيا فى يوم من الأيام ، لأن اندفاعة الفوضى فى بغداد ، التى أمدتها القوات العسكرية الأمريكية بالوقود ، لم تكن تعبيرا عن الخروج من حالة الاختناق السياسى ، فى ظل نظام شمولى ، أكثر مما كانت وليدة حالة من الاختناق الاجتماعى ، فى ظل سياسة تمييز اجتماعى ، حطمت الطبقة المتوسطة العراقية ، وخلقت جيوبا واسعة من الفقراء المهمشين اجتماعيا ، يشبهون غيرهم فى كل مكان ، قنابل قابلة للانفجار ، عندما تتوفر حولها درجة مناسبة من الحرارة .

وهكذا من الصور المنتقاة إلى الكلمات المنتقاة ، إلى زاوية الرؤية المنتقاة ، جرت وسائل السحر الحديث ، مدعومة بتكنولوجيا الاتصال لتمييع الحقائق ، وإخفاء جوهر المشروع الإمبراطورى الأمريكى ، للهيمنة واحتلال العراق ، وتحويله إلى جسر وثوب إلى عموم الإقليم .

* * *

وفى المجرى العريض ، لتخفيض درجة الإحساس الوطنى بالخطر ، جرت محاولة مزدوجة : تبرئة أمريكا-أولا- بتضخيم دور إسرائيل فيما حدث ، وتحميل مسئولية دفع الولايات المتحدة إليه ، بما فى ذلك دفعها إلى التحرش بسوريا ، إشاعة تفاؤل كاذب-ثانيا- بتحقيق السلام على صعيد القضية الفلسطينية ، لأن بريطانيا مضطرة إلى الضغط على أمريكا ، ولأن أمريكا مضطرة للاستجابة لضغوط حليفتها الوحيدة، وكلا الأمرين ليس صحيحا ، لأن ما بين أمريكا وإسرائيل ، لم يعد صيغة تحالف استراتيجى كما يشاع ، وإنما تطورت صيغة التحالف ، إلى صيغة اندماج استراتيجى ، وفى مثل هذه الصيغة ، فإن التفكير يكون مشتركا ، والتخطيط يكون مشتركا ، وليس من الضرورى أن يكون التنفيذ كذلك ، أما الحديث عن السلام القادم ، فإنه ينطوى على تجاهل حقيقة ، لم أتوقف عن الإشارة إليها على امتداد السنوات الثلاثة الماضية ، وهى أن مشروع السلام الإقليمي، قد سقط استراتيجيا بالفعل .

غير أن الأكثر خطورة ، من تخفيض درجة الإحساس الوطنى بالخطر ، هو غض البصر عن التهديدات الاستراتيجية المستجدة ، وعن التغييرات التى أصابت البيئة الاستراتيجية ، بعد احتلال العراق ، فنحن بالفعل ، أمام بيئة استراتيجية جديدة ، لا تتميز فقط بأنها مشحونة ، ولكن بأن موازينها الاستراتيجية قد أعيد بناؤها ، على نحو كامل :

أولا : أننــا بصـــدد احتــلال عسكرى أمريكى للعـــراق ، وهو ليس احتلالا مؤقتــا، ولا عابرا ، ولم يكن هدف عدوانه إسقاط النظام ، ولا نزع أسلحة الدمار الشامل ، التى لا وجود لها ، ولا إقامة نظام ديموقراطى بديل ، بل إننا أمام نمط جديد قديم من الاستعمار، هو على وجه التحديد ، صنف من الاستعمار الاستيطانى .

ثانيا : إن الأمريكيين لم يأتوا فقط من أجل النفط العراقى كما يشاع ، وإنما جاءوا من أجل توسيع حدود الإمبراطورية الأمريكية ، وسوف يتخذون من العراق قاعدة دائمة ، لمواصلة توسيع حدود هذه الإمبراطورية الأمريكية ، أى لإقامة أمريكا جديدة ، فى الشرق الأوسط ، وإذا كانوا قد لجأوا إلى أقصى درجات التصعيد العسكرى الرأسى ، لإحكام قبضتهم على العراق ، فسوف يلجأون إلى أشكال جديدة من التصعيد العسكرى الأفقى ، لتوسيع قاعدة احتلالهم ونفوذهم .

ثالثا : ربما يتهمنى كثيرون بالمبالغة ، حين أقول أن أمريكا جاءت لإقامة أمريكا جديدة ، فى عموم إقليم الشرق الأوسط ، لأن أمريكا القديمة قد استنفذت نفسها ، وهذه مسألة يحتاج البرهنة عليها إلى إسهاب وتفصيل، ولكن حسبى أن أشير إلى عدة مؤشرات :

Pages