إنَّ من الطبيعي أن تكون لغة الشعر الجديد لغة جديدة.
You are here
قراءة كتاب تحولات الشعرية العربية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
وإذ ما دخلت عليه أداة التشبيه هذه واقع في حيرة المتوهم، وقوله: (فكان مسير عيسهم ذميلاً) حقيقة، امتنع أن تعطف هذه على تلك لأنها إن جعلت معطوفاً عليها غدا (مسير العيس) متوهماً بينهما وهو حقيقة، والقرينة الثانية المعتمدة في امتناع هذا العطف قرينة منطقية. ذلك أن الجرجاني يعد الجملة الداخلة في المتوهم مسبباً (فكأن بيناً تهيبني)، وجملة (تولوا بغتة) سبباً وعلى هذا النحو يكون المعنى (تولوا بغتةً فتوهمت أن بيناً تهيبني) فإذا عطفت الثالثة (فكأن مسير عيسهم ذميلاً) على المسبب غدت هي أيضاً مسبباً على التولي بغتة وهو معنى لا يستقيم. علاوة على ذلك يرى الجرجاني أنّ العلاقات بين الشطر الأول والشطر الثاني من البيت الأول قوية، بل تابعة لأن كلاً منهما في حاجة إلى الآتي كي يستقيم المعنى، وربما كانت العلاقة المسببة القائمة بينهما وراء هذا الرأي، إذا كان الأمر كذلك بين شطري البيت الأول، فإن البيتين لا يشذان عنه، ودليل ذلك أن « الغرض من هذا الكلام أن يجعل قولهم بغتة، وعلى الوجه الذي توهم من أجله أن البين تهيبه مستدعياً بكاءهُ وموجباً أن ينهمل دمعه فلم يعينه أن يذكر العيس إلا ليذكر هملان الدمع...»(13).
أما عن قياس العطف على الشرط فيضرب الجرجاني المثال الآتي:
قوله تعالى: ( وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدْ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) (النساء 112).
فالشرط هنا في الجملتين المعطوفة والمعطوف عليها، لا في كل واحدة على الانفراد لأننا إن قلنا: إنّه في كل واحدة منها على الانفراد جعلناهما شرطين، وإذا جعلناهما شرطين اقتضتا جزاءين، وليس معنا إلا جزاء واحد هذا من حيث القرينة النحوية، أما المعنوية فنحن نعلم « أنّ الجزاء الذي هو احتمال البهتان والإثم المبين أمر يتعلق إيجابه لمجموع ما حصل من الجملتين، فليس هو لاكتساب الخطيئة على الانفراد، ولا لرمي البريء بالخطيئة أو الإثم على الإطلاق، بل لرمي الإنسان البريء بخطيئة أو إثم كان من الرامي »(14).
بعد أن أتم الجرجاني توضيح وصل الجمل بعضها ببعض باستخدام الروابط الشكلية كالواو وغيرها من حروف العطف يعرج على العلاقات الخفية القائمة بين الجمل دون روابط شكلية واضحة ويورد أمثلة على ذلك ونأخذ منها الآية الكريمة:
قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ*خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (البقرة 6-7).