كتاب " القضاء وبنيته في النص النقدي والروائي " ، تأليف بلسم محمد إبراهيم الشيباني ، والذي صدر عن دار زهران عام 2003 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب القضاء وبنيته في النص النقدي والروائي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
القضاء وبنيته في النص النقدي والروائي
(الفضاء) و(المكان) اصطلاحاً أدبيّاً ونقديّاً
لا يستطيع الباحث وهو يتصدَّى لدراسة (الفضاء) في الخطاب الروائيّ أن يهملَ مصطلح (المكان) سواءٌ أكان ذلك بالإشارة إليه أم بتوظيفه في المقاربة. ويرجع ذلك لتلازم المصطلحين في الدرس النقديّ، والتصوُّر الفكريّ المعاصر.
ويتوزع مفهوما (الفضاء) و(المكان) في الاصطلاحات الأدبيّة والنقديّة بين ما جاء في المعجمات الأدبيّة والموسوعات العلميّة، وبين ما طرحته الممارسات النقديّة من تصوُّراتٍ وإشارات.
والحق فإن محاولة إيجاد تعريفٍ واحدٍ متَّفقٍ عليه في الكتابة الأدبيّة والنقديّة ولاسيما العربيّة، أمرٌ صعب المنال - في وقتنا الراهن - إذ مازالت أغلب المصطلحات النقديّة المعاصرة تشكو من عدم اتفاق النقاد على تحديد مفهوماتها.
و(الفضاء) و(المكان) من المصطلحات التي لم تحظَ بالدقة العلميّة اللازمة والمطلوبِ توافرها في أية ممارسة نقديّة، كما أن الألفاظ المتعلقة بموضوع الفضاء والمكان لا تَقْصُرُ البحث على وجود مصطلحي (الفضاء) و(المكان)، بل تتعداهما إلى طرح مصطلحات أخرى كثيرة، تضع الدارس أمام مواجهةٍ غير متزنة لهذا العدد الكبير من المصطلحات، وذاك الاضطراب في فهمها، والاختلاف في استعمالها وتوظيفها.
ويمكن ذكر أغلب هذه المصطلحات ذات الصلة بموضوع الفضاء كما يلي:
الفضاء - المكان - البيئة - الإطار - الحيِّز - المكان الروائيّ - المكان في الرواية - الفضاء المكانيّ - المكان الحكائيّ - الفضاء الجغرافيّ - الفضاء الواقعيّ - الكرونوتوب - الزمكان - الفضاء الروائيّ - الفضاء الزمكانيّ - الفضاء منظوراً - الفضاء الدلاليّ - الفضاء الموضوعيّ للكتاب - الفضاء النصيّ - الفضاء الطباعيّ - فضاء النص - الفضاء الكتابيّ - الفضاء الحكائيّ.
وأشدُّ هذه المصطلحات التصاقاً وتواتراً هما مصطلحا (الفضاء والمكان)، وإذا كانت الباحثة قد جعلت عنوان هذه الرسالة موجهاً إلى الفضاء وبنيته في النص الروائيّ، فإنها لا تستطيع أن تشرع في بيان مصطلح الفضاء على المستوى الاصطلاحيّ قبل أن تطرح مفهوم المكان وذلك لسببين:
الأول: يتعلق بالترتيب الزمنيّ لظهور هذين المصطلحين؛ فمصطلح المكان أسبق نقديًّا في الظهور من مصطلح الفضاء.
الثاني: ينبثق من مفهوم المصطلحين نفسيهما وأفق العلاقات والالتباسات القائمة بينهما(*).
فما المقصود بالمكان في النص الروائيّ؟
لمّا كانت اللغة قد حدّدت مفهوم المكان بالموضع، فإن أول ما يقال عن المكان في النص الروائيّ إنه الموضع الذي تتحرّك فيه الشخصيّات، غير أن اختلافاً وقع بين النقاد في تحديد المكوِّنات والمساحات التي يشتمل عليها هذا الموضع ، إذ يفسّر طه وادي المكان بمعنى البيئة حين يقول (المكان - في الحقيقة - هو البيئة التي يعيش فيها الناس)(6).
ويجعل عبدالفتاح عثمان للمكان دلالتين؛ الأولى دلالة جغرافيّة مرتبطة بمساحة محدودة من الأرض في منطقة ما، والثانية دلالة أوسع تشمل البيئة بأرضها، وناسها، وأحداثها، وتقاليدها، وقيمها، وهمومها وتطلعاتها(7).
وعلى عكس هذا القول تذهب الباحثة سعاد القراضي إلى التمييز القاطع بين البيئة والمكان ، فتشير إلى أن (البيئة هي الظروف الاجتماعية والاقتصادية والروابط الاجتماعية والعادات والتقاليد)(8) في حين ترى أن المكان هو (ذلك الحيز المحدود بمساحة معينة مثل المقهى والطائرة ومحلالعمل)(9).
وبصرف النظر عن الاختلافات القائمة حول تعريف المكان، فليست هناك حاجة إلى توسيع مفهوم المكان ليشمل البيئة، أو إلى الخلط بين مفهوم المكان ومفهوم البيئة، إذ تظلُّ البيئة شيئاً آخر غير المكان، وهو ما ذهبت إليه الباحثة سعاد القراضي، وما تؤكده هذه الدراسة أيضاً.
وهناك تصورٌ أكثرُ تفصيلا وتحديداً يرى أن المكان يشير إلى البيئة الطبيعية أو الاصطناعية من بنايات بمختلف أنماطها ووظائفها ومن شوارع وسيارات .. تعيش فيها الشخصيات الروائية وتمارس وجودها ، كما يضم المكان قطع الأثاث والديكور والأدوات بمختلف أنواعها واستعمالاتها ، ويشمل أيضاً الوقت من اليوم وما يترتب عليه من أضواء أو ظلمة ، والطقس بكل أحواله ، والأصوات والروائح(10).