كتاب " القضاء وبنيته في النص النقدي والروائي " ، تأليف بلسم محمد إبراهيم الشيباني ، والذي صدر عن دار زهران عام 2003 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب القضاء وبنيته في النص النقدي والروائي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
القضاء وبنيته في النص النقدي والروائي
وهنا يقع التأكيد على اختلاف الضوابط المرجعيّة وعدم الدقة في تحديد المصطلحات المتعلقة بموضوع الفضاء؛ فما نستخلصه من التعريف ثلاثة أشياء:
الشيء الأول: إن الناقد لم يكن دقيقاً من حيث الاستعمالُ اللغويُّ في تعريف هذا الشكل من أشكال الفضاء؛ فاقتباس القارئ لهذا التعريف من غير العودة إلى ما سبقه من تحليل وشرح يُوقع في التباسات عدة؛ لأن الناقد قَصَد من كلمة (مقابل) أداء معنى (المعادل) وأبان عن ذلك - مثلما أوضحنا في الصفحة السابقة - وليس بِخَافٍ على المختصين ذلك التحديد البلاغيّ الذي يرى في كلمة (المقابل) أداء معنى (المعاكس) أو (الضد). والغاية هنا أن الفضاء الجغرافيّ هو مرادف لمعنى المكان وليس ضدًّا له.
الشيء الثاني: إن الفضاء الجغرافيّ هو نفسه الفضاء الذي يضعه الروائيّ لأبطاله للحركة فيه، سواء تضمن ما يمكن الرجوع إليه، أو تلمسه حقيقة خارج النصِّ، أو ما يمكن عدُّه من صنع الروائيِّ نفسه.
الشيء الثالث: إن الناقد استقى مفهومه للفضاء الجغرافيّ من حدود عنصر الإيهام والتخييل الذي يتولّد من استخدام الفضاء داخل النص.
فالضابط المرجعيّ، وهو الإيهام الذي اعتمده الناقد حميد لحمداني في هذا الإطار لم يفصل القول بين الاختلافات القائمة حول مصطلحي (الفضاء الجغرافيّ) و(المكان).
وما تراه الباحثة أن الفضاء الجغرافيّ لا يعادل المكان، وأن ما يجب أن يتخذَ معياراً في تحديد هذا المصطلح هو اللجوءُ إلى تلك الإيحاءات التي يمنحها المصطلح نفسه، فالجغرافيا تعطي انطباعاً لذهن القارئ بوجود صفات طوبوغرافية، ومواضع محسوسة يمكن الرجوع إليها والتماسها خارج النص. وبذلك يصبح الفضاء الجغرافيّ جزءاً ممّا قد يتضمنه الفضاء داخل النص، وليس هو المكان نفسه.
وإلى جانب هذه المصطلحات يوجد مصطلح آخر ذو مفهوم محدّد ومحصور؛ إذ يربط (ميخائيل باختين) بين الزمان والمكان ضمن رؤية دقيقة متأملة في خصائص النص فيأتي بمصطلح (الكرونوتوب Chronotope) الذي انتقل استعماله إلى بعض المقاربات النقديّة العربيّة(48)ويعرِّف الكرونوتوب بأنه (نوع زمانيّ - مكانيّ ويتضمن طقماً من المظاهر المحددة بالزمان والمكان في النوع الأدبي. ويرادف الكرونوتوب لدى باختين كلمة النوع الأدبي)(49).
ويذهب تزفيتان تودوروف إلى القول بأن(باختين لا يستخدم فكرة الكرونوتوب بشكل حصريّ، ولا يحدّها بتنظيم الزمان والمكان فقط، بل يوسّعها ويمدّها باتجاه العالم (حيث يمكن دعوة العالم بأنه كرونوتوب مادام الزمان والمكان مقولتين أساسيتين لأي عالم متخيّل))(50).
وفي كل الأحوال، فمصطلح الكرونوتوب يمثل رؤية فلسفيّة وأداة إجرائية أَثْرَتْ الدرس النقدي بما منح النصوص الروائية إضاءات جماليّة ظلت مخبوءة بتأثير التصور القائم على عزل الزمان عن المكان والاعتراف بمطلقيته. وبذلك يعبّر أحد النقّاد عن هذا الرأي بقوله:(يجيء مصطلح (الكرونوتوب) الذي نحته باختين عن وعي علميّ، ودافع نقديّ يبحث عن دفع الخلط وتجاوز تقنيات الفكر التقليديّ الذي يؤمن بمطلقيّة الزمن وانفصاله عن الفضاء - المكان)(51).
ويلجأ كثير من نقاد العرب إلى حذف مصطلح الكرونوتوب واستبدال مصطلح (الزمكان) به؛ فيشيع لدى بعضهم استخدام الزمكان للإشارة إلى علاقة الزمان بالمكان دون أدنى اتفاق في مستوى التحليل، ويتوجه بعضهم الآخر إلى الاهتمام بما يترتب على استعمال هذا المصطلح من أدوات إجرائيّة محّددة، ومرجعيّة فكريّة بأصول المصطلح، والبحث في موضوعه.
ويشيع لدى نقاد آخرين استعمال مصطلح (الفضاء الروائيّ) الذي لم يُعْطَ هو أيضاً مفهوماً محدّداً أو متفقاً عليه بين سائر المقاربات النقدية بحيث يمكن تمييزه عمّا درج من استخدام للمصطلحات المتعلقة بموضوع الفضاء.
فالناقد حسن بحراوي يجعل للفضاء الروائيّ مهفومات متعدّدة، فهو تارة يقصد به المكان الموجود في النصّ، ويخصُّه بـ(الروائيّ) لأداء معنى المكان الموجود في النص الروائيّ، أي ذاهباً إلى فصله عن المكان الموجود في الخطابات السرديّة الأخرى(52)، وتارة يستخدم(الفضاءالروائيّ) مشيراً إلى المنظور الذي تتخذه الشخصية، فيخلق للفضاء الروائيّ أبعاداً ودلالات(53)، ويذهب مرة أخرى إلى النظر إلى المكان الروائيّ على أنه بناءٌ يتمُّ إنشاؤه، فتتحدّد من خلاله خطوط المكان الهندسية والصفات الدلالية معاً(54).
أما الناقد محمد سويرتي فيستعمل مصطلح (الفضاء الروائيّ) مرادفاً لمصطلح (الفضاء) فيجمع في مقاربة واحدة بين المصطلحين لإثبات مفهوم واحد ، إذ نراه يطرح سؤالاً يقول فيه:(كيف يتعامل النقاد العرب مع أشكال الفضاء الروائيّ)(55) بعد أن استند إلى ذكر مصطلح الفضاء. وما يرجّح أن الناقد محمد سويرتي لم يكن يقصد الوقوع في هذا التنويع اللفظيّ، وأنّ تخصيص المقاربة للخطاب الروائيّ هو الذي قاده لاستخدام هذا المصطلح.
ويقدم الباحث مختار الهادي الأدهم تعريفاً محدّداً للفضاء الروائيّ ليعني لديه (تلك الحياة التي تبعث في المكان الروائيّ بخصوصه وغير منفصلة عنه)(56).
ويتوسع منيب محمد البوريمي في تحديد مفهوم الفضاء الروائيّ ليشمل المساحات الورقية التي تظهر عليها الكتابة الروائية، فنراه يعرِّف الفضاء الروائيّ بأنه (يحتوي أشياء متباينة ومتعددة، لا حصر لها، بدءاً من المساحة الورقية التي يتحقق عبر بياضها جسد الكتابة، إلى المكان / الزمان / الأشياء / اللغة / الأحداث / التي تقع تحت سلطة إدراكنا عبر أنماط السرد، والتي تجسد عالم الرواية)(57).