كتاب " فلتة زمانه " ، تأليف فيصل فرحات ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب فلتة زمانه
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
فلتة زمانه
«شهّلت» (جلّست) جسدي، وانحنيت متناولاً الكيس ثم فتحته. وإذا بي أرى بضع حبات من البندورة والبصل، وعدة أرغفة خبز «مرقوق» ملفوفة بكيس «نيلون»، وفي أسفل الكيس «مطبقيّة المجدرة»، فازداد فرحي. حينها أمسكت بالعصا ووقفت وأنا متكىء عليها، وحملت الكيس، ثم «تعرّجت»، نازلاً درج السطح، ناظراً نحو أخوتي الصغار وبضعة أولاد كانوا ينظرون إلي بشيء من الشفقة! فناديت أمي قائلاً بأني ذاهب، فأطلت من الباب لتذكّرني بأخذ الكيس. حملته بيدي مشيراً لها بأني أخذته، فطلبت مني أن أذهب وأرتاح، ثم أعود غداً، فمشيت وأنا أعرج. عدت واستدرت نحو الخلف مودعاً، وإذا بي أرى إخوتي وأولاداً آخرين يلحقون بي! فسألتهم ماذا تريدون؟ فأجاب بعضهم بأنهم يريدون أن يعرفوا أين أنام؟ و «يشوفوا» أم جان! فأجبتهم بأني لست ذاهباً إلى بيت أم جان الآن، و «بعدين» (غير مرة) آخذهم ليتعرفوا عليها، فسكتوا ولم يقتنعوا. ثم عادوا ولحقوا بي بعد أن خطوت بضع خطوات. فعدت ورفعت العصا نحوهم، لكي يرجعوا إلى البيت، لكنهم لم يسمعوا كلمتي! حينها مددت يدي إلى جيبي وتناولت عشرة قروش وأعطيتها إلى أكبرهم سناً، قائلاً لهم أن يشتروا «بزر زغير» ويرجعوا إلى السطح، ليتسلوا به. ففرحوا وعادوا إلى الدكان، وأنا تابعت سيري المتعرج نحو بيت الرفيق غسان، في أول بيت من بيوت كرم الزيتون. كان الوقت قد أصبح عصراً، فخطر في بالي أن أنتظر غسان على «البرندا» الخشبية، حتى يأتي من عمله وأخبره ما حصل معي. صعدت الدرج منادياً خالتي أم ناجي. (على ما أذكر) فأطلت من فسحة مدخل البيت سائلة ماذا أصابني؟ فأخبرتها وأنا أضحك قليلاً. ثم قالت إن ابنها غسان لم يأت من العمل، وليس في البيت سواها. فأجبتها أني أعرف ذلك، لكني أرغب في رؤية غسان حين يعود. فردت طالبة مني الجلوس على «البرندا» في (ظل) الشجرة. فابتسمت وجلست على طرف المقعد كما قالت. ثم سألتني إذا «تغديت؟» فأجبتها بنعم. ثم رفعتُ الكيس لتراه، قائلاً إن أمي أطعمتني «مجدرة» حمراء، وأعطتني «مطبقيّة» وخبزاً وبندورة. فضحكت قليلاً وسألتني إذا أريد أن أشرب كباية شاي، فشكرتها موافقاً. تنهدت بعد أن مددت رجليَّ، واضعاً العصا قربي، وأنا أنظر إلى الورود والزهور من حولي، وإلى شجر الزيتون في الكرم، على مدى نظري، فشعرت بارتياح وانشراح.
وبعد دقائق خلتها حوالى الساعة، أتت السيدة أم ناجي وهي تحمل صينية عليها إبريق شاي صغير مع كباية و «سكرية» فيها ملعقة صغيرة، ووضعتها على الطاولة، بعد أن قرّبتها مني وكذلك أنا فعلت، مردداً كلمات الشكر لها. وفيما كانت تبتعد عني، قالت لي ما قاله النساء وبعض الرجال، بأنه كان عليَّ وضع «تنكة» الماء الساخنة على أرض الحمّام.. فوافقتها وأنا أهز برأسي متمتماً على مضض كلمات غير مسموعة! شربت كباية الشاي، ورغبت معدتي في الثانية ففعلت.
وبالطبع لربما «تبعجت» وأنا «أطبطب» على بطني، ثم أرخيت ظهري على المسند، مسترجعاً ما حصل معي في هذا اليوم، وبخاصة كيف نظرت إليّ جورجيت، وكيف ضحك عليَّ جورج ونبيل، وماذ فعلت أمي. وما لبثت، على نسيم الورود والزهور، أن غفوت. وما أن مرت دقائق حتى سمعت والدة غسان تناديني، وبيدها جريدة، طالبة أن أضعها تحت رجليّ على المقعد، ففعلت بعد أن قرأت العنوان. ثم ختمت بابتسامة: «صار وقت يوصل غسان». بعد أن قالت إن الجريدة قديمة. حينها سألتها عن جريدة اليوم، فضحكت وخطت نحو الغرفة الصغيرة، وأتت بجريدة «النداء» وأعطتني إياها، ونحن نضحك معاً. فقرأت العناوين ثم «فلفشت» صفحاتها الأربع، ونمت.