You are here

قراءة كتاب الوسطية الحضارية - تحديات الفكرة والحركة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الوسطية الحضارية - تحديات الفكرة والحركة

الوسطية الحضارية - تحديات الفكرة والحركة

كتاب " الوسطية الحضارية - تحديات الفكرة والحركة " ، تأليف د. رفيق حبيب ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
2
Average: 2 (1 vote)
المؤلف:
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 10

فما هي الدينية؟

ليست الدينية هي الحكم بالحق الإلهي، ولكن تلك كانت التجربة السلبية أو التجربة التي قامت على الاستبداد، في التجارب الدينية المتنوعة. والمقصود بالدينية، هو عكس المقصود بالعلمانية. فإذا كانت العلمانية هي تنحية دور الدين عن المجال العام، فإن الدينية هي تأسيس المجال العام على الدين. وتلك هي الخلاصة المهمة. ففي المشـروع الديني، يقوم الدين بوصفه حجر الزاوية في النظام العام، وبهذا يتأسس النظام السياسـي والنظام الاجتماعي على القيمة الدينية. ويصبح المجال العام محفزًا على تعظيم دور الدين في المجال الخاص، وغير مشجع لأي تنحية لدور الدين في المجال الخاص. وهنا تبرز أهمية الفرق بين العلمانية من جانب والدينية من الجانب الآخر، ففي الأولى يتم تنحية دور الدين عن المجال العام، وفي الثانية يتم تأسيس المجال العام على القيمة الدينية.

علمنة الإسلام

البعض يقول بأن الإسلام ليس دينًا ودولة، وعليه تُقبَل العلمانية كنظام سياسـي واجتماعي. والبعض يتصور المسيحية وكأنها دين روحي، وأنها ليست دينًا ودولة، بل دين فقط. ولكن السؤال يحتاج لمدخل آخر، فهل المقصود منه ما إذا كان الدين قد حدد نظامًا سياسيًّا معينًا؟ أم المقصود منه علاقة الدين بالمجال السياسي؟ وإذا عدنا للتجربة الأوروبية، سنجد أن العلمانية كانت ضد المسيحية، وأدت إلى انحسار المسيحية ودورها في أوروبا. وإذا تابعنا معظم التيارات المسيحية الغربية، والتي لم تذُب في العلمانية، وهي تمثل أغلبية مسيحيي العالم، سنجد أنها تعادي العلمانية وتعتبرها خطرًا على المسيحية. والسبب في ذلك بسيط، فإذا تم حصار الدين في الحياة الفردية والخاصة، فإن المجال العام سوف يتجه نحو مسارات لا توافق الدين، ويصبح مجالاً مستقلاً عن الدين. ومن هنا تبدأ القيم العلمانية في الانتشار داخل الأفراد أنفسهم، حتى يتم علمنة المجتمع بالكامل. لهذا نجد معظم الحركات المسيحية تحاول تحصين نفسها في مواجهة العلمانية، حتى تستعيدَ المسيحيةَ مرة أخرى للغرب، وخاصة أوروبا.

وفي المقابل، لا نتصور دولة أغلبيتها تنتمي لدين ما، ويسود فيها الدين، ويقام فيها المجال السياسـي بمنأى عن القيم الدينية. فإذا ساد الدين أصبحت قيمه هي العليا؛ ولهذا يصبح من الضـروري بناء النظام السياسـي والنظام الاجتماعي على هذه القيم، ما دامت هي القيم السائدة لدى الأغلبية. نعني من هذا أن كل دين هو دين ودولة. وعلمنة الإسلام، مثل علمنة المسيحية من قبله، هي محاولة لإخراج الإسلام من المجال العام وحصـره في المجال الخاص، حتى يتآكل دوره تدريجيًّا، ويتم تنحيته حتى عن المجال الخاص. فعلمنة الدين، هي محاولة للقضاء عليه.

إما العلمانية أو الإسلامية

العلمانية إذن، معنية أساسًا بدور الدين في الحياة، وهي تقوم على الفصل بين الدين والمجال العام، وتلك هي العلمانية المعتدلة أو الجزئية، والتي تجعل الدين شأنًا خاصًا وشخصيًّا وفرديًّا. والعلمانية الشاملة أو المتطرفة، هي التي ترفض أن يكون للدين دور حتى في المجال الخاص، فتعمل على علمنة الحياة الخاصة والشخصية والفردية. والعلمانية بهذا تقوم على تأسيس النظام العام، أي الدستور والقوانين والنظام السياسـي والاجتماعي، على قيم مصدرها العقل البشـري، وليس لها أي إسناد في الدين، ولا يجوز تبريرها أو تفسيرها أو تحديدها من أي مصدر ديني.

والدينية في المقابل، هي جعل القيم الدينية أساسًا للنظام العام، من الدستور إلى القوانين والنظام السياسـي والاجتماعي. وبهذا فالإسلامية، هي مشـروع حضاري مقاوم للعلمانية، لجعل القيم الإسلامية أساسًا للنظام العام. أما وجهات النظر التي تريد جعل العلمانية مصدرًا لقيم النظام السياسـي والإسلامية مصدرًا لقيم النظام الاجتماعي، فهي رؤى متعارضة أساسًا. فإذا قام الدستور والقوانين والنظام السياسي، على القيم العلمانية، واقتصـرت المرجعية الإسلامية على النظام الاجتماعي والأسـري، فإن هذا سيؤدي مع الوقت إلى توغل القيم العلمانية إلى النظام الاجتماعي، ليتم تحييد الدين في النطاق الخاص الشخصي.

والمتابع للتجربة الأوروبية والأمريكية، يكتشف أن العلمانية المعتدلة لم تؤدِّ إلى الحفاظ على دور الدين في الحياة الخاصة، بل تسـربت العلمانية إلى الحياة الخاصة، وتراجع دور المسيحية في معظم أنحاء أوروبا، لذلك قامت حركات مسيحية، خاصة في أمريكا، تحارب العلمانية حفاظًا على المسيحية.

لهذا نقول إن العلمانية تبدأ معتدلة وتنتهي متطرفة، وتبدأ غير معادية للدين ولكن تحصـره في المجال الخاص فقط، وتمنعه من التأثير على المجال العام، وتنتهي بمعاداة الدين؛ لأن تعمق التدين في الحياة الخاصة للأفراد يؤثر على المجال العام بصورة أو أخرى، كما أن العلمنة المادية الشديدة للحياة العامة تتعارض مع الدين، وبالتالي تؤثر سلبًا على التدين الشخصـي حتى تقضـي عليه.

لهذا فبين المشـروع العلماني والمشـروع الإسلامي، تعارض يمنع اللقاء أو التوفيق.

Pages