قراءة كتاب جاك درايدا - ما الآن ؟ ماذا عن غد ؟

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
جاك درايدا - ما الآن ؟ ماذا عن غد ؟

جاك درايدا - ما الآن ؟ ماذا عن غد ؟

كتاب " جاك درايدا - ما الآن ؟ ماذا عن غد ؟

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

ثالثاً: تأثر التفكيك بنظرية التلقي

لم يكتف التفكيك بهذا فحسب، بل تعداه إلى التناص المعرفي؛ إذ بحكم تزامن إستراتيجية التفكيك ونظرية التلقي، فقد احتكا معاً. وتناص التفكيك مع أهم مبادئ التلقي «إن كلا من التلقي والتفكيك يلتقيان في أهم مبادئهما وهو إلغاء النص وقصدية المؤلف» (18). وبذلك نجد أن كليهما يركزان على القارئ/المتلقي. حيث يبين عبد العزيز حمودة مدى تداخل كل من التلقي والتفكيك بعد أن تطرق إلى رائد التلقي إيهاب حسن وجاك دريدا مبينا تزامن الرائدين في عصر واحد «وإن كان ذلك التزامن يؤكد في الوقت نفسه أن الرجلين ينتميان إلى جيل ما بعد الحداثة الثقافية بصفة عامة، لكنه أيضا يؤكد قدر التداخل بين نظرية التلقي وإستراتيجية التفكيك أكثر بكثير من كم الاختلاف» (19) وفي خضم حديثه عن العلاقة بين التلقي والتفكيك يقول: «التفكيك هو المشروع الأكبر الذي يمكن أن تندرج تحته نظرية التلقي» (20).

ومن خلال هذا الاحتكاك، يمكن القول إنه هو الوحيد الذي جعل التفكيك يأخذ من نظرية التلقي أهم مبادئها، ويوليها أهمية كبيرة، ويلحقها به، ويجعلها ركيزة أساسية من بين جملة ركائزه، وأصبح الاعتماد عليها بشكل محوري في العمل. وهذا المحور الرئيس هو القارئ/المتلقي؛ على الرغم من أن النص تتحدد ملامحه بالاعتماد على المحددات التالية؛ النسق، والنظام، والعلامة، واللغة، والمؤلف. إلا أن التفكيك يَقْصُرُ تحديد المعنى على القارئ/المتلقي وحسب، إذ هو الوحيد الذي يُحْدث، ويُحدد المعنى دون سائر العناصر «ولا نكون مبالغين إذا قلنا إن أهم الأدوار في إستراتيجية التفكيك هو دور القارئ وليس المؤلف، أو العلامة، أو النسق، أو اللغة. والقارئ فقط هو الذي يَحدث عنده المعنى ويُحدثه، ومن دون هذا الدور لا يوجد نص، أو علامة، أو مؤلف» (21).

هذا هو إيمان التفكيك المطلق بدور القارئ/المتلقي كركيزة أساسية في قراءة النصوص، وإنتاج المعنى، وتحديد المدلولات انطلاقا من جملة الدوال، وما يتوقعه القارئ/المتلقي ويتطلع إلى أن يجده في النص.

«إن أي مناقشة للتفكيك لابد أن تبدأ بالقارئ، وتجربة التلقي لا يوجد قبل حدوثها شيء» (22). وبهذا التداخل والتقارب الحادث بين التلقي والتفكيك نجده قد خلق لحمة بينهما، أو وحدة انصهار "ظللنا لبضع سنوات نتحدث عن التفكيك باعتباره نظرية تلق مطورة" (23) ومن خلال ما سلف ذكره؛ نجد أن التفكيك بحكم تزامنه مع نظرية التلقي قد استعار منه أهم مبادئه (القارئ/المتلقي) وأصبح محركا لهذه الإستراتيجية.

رابعاً: انتقال التفكيك من فرنسا إلى أمريكا

أما فيما يخص حركة انتقال المصطلح من فرنسا إلى أمريكا فالفضل في ذلك يرجع إلى دريدا الذي زرعه في إقليم الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث إن التربة الثقافية الفرنسية هي التي أفرزت التفكيكية، ثم لفظتها فيما بعد لأن «المزاج الثقافي الفرنسي قد شكلته قوى التجانس، والتوحد لفترة طويلة» (24).

وبما أن التفكيكية تقوم على محور أساس تعمل من خلاله في دراسة النصوص، ألا وهو الثورة على القيم، والتقاليد ورفضها؛ لكونها تحجب المعنى وتُغَيِّبـهُ. فقد لقيت هذه الإستراتيجية معارضة شديدة من قِبَل الثقافة الفرنسية وعلى إثرها جرى انتقال التفكيك إلى أمريكا. ويكون رولان بارت قد ارتبط بالتفكيكية أكثر من ارتباطه بالبنيوية. والتفكيكية كاستراتيجية نقدية تقوم على الشك، واللاثبات، وخلخلة جميع الأنظمة، والأنساق الموروثة «إن التفكيك بمعنى ما، يقوم على رفض المذاهب السابقة، ويُخَطِّئ كل المشاريع. بل إنه في جوهره يقوم على رفض تقاليد السلف التي يرى أنها تحجب المعنى وتكبته» (25)؛ ولما كانت الثقافة الفرنسية متجذرة في محيطها رافضة لمبدإ اللانسق واللاتاريخ، اصطدمت بالمقترح التفكيكي الذي يشكك في ثبات القيم وأصالتها. وتباشر استبعادها للقيم «حينما اكتُشِف أن التفكيك في حقيقته ينسف التوحد، ويلغي التجانس لأنه ينادي بالتعدد اللانهائي في تفسير النص» (26). ولا يتأتى ذلك إلا من خلال لانهائية الدلالة، وعدم قصدية المؤلف. وعلى إثر هذا الرفض، اضطر أصحابها إلى الهجرة إلى إقليم آخر غربي يؤمن بأفكارها المحورية، أو يتشاكل مع دعوتها... فكانت الانطلاقة مع جاك دريدا الذي خرج بها كنقلة نوعية إلى أمريكا قصد غرسها هناك.

وأول من استقطب التفكيك في أمريكا جامعة "ييل" "Yale" النقدية؛ إذ نظرت إليه نظرة حداثية يمكن أن تُؤْخذ كبديل عن البنيوية، فما أن لاح نجمها مع جاك دريدا حتى سارع كبار النقاد الأمريكان إلى استقطابها، وتبنيها كاستراتيجية نقدية جديدة أمثال: بول دو مان (Paul de Man) ، هارولد بلوم.

ج. هيلس ميلر (J. Hillis Miller) ، جيوفري هارتمان (Geoffrey Hartman) .

أما الجانب التنظيري فكان من شأن الأب الروحي لهذه الإستراتيجية جاك دريدا الذي نَظَّرَ لها في كتب أهمها:

1. في علم الكتابة (De la grammatologie)

2. الكتابة والاختلاف (L’écriture et la difference 1967)

3. هوامش فلسفية (Marges 1972)

وعلى نهج دريدا سلك النقاد الأمريكان طريق النقد التفكيكي، فأخرج بول دو مان كتاب التحليل الذاتي سنة 1975، وكتاب العمى والبصيرة.

وكخلاصة لفحوى السالف الذكر أن التفكيك لم يأت من العدم، بل له مرجعيات، ومسارات إبستيمولوجية. تبين أن ظهوره جاء نتيجة لعوامل كثيرة؛ فتارة ثورة على ما سبقه من مناهج نقدية، وتارة اعتماده على مركزية مميزة كالشك، وتارة أخرى خاصية مكتسبة نتيجة احتكاك، وتأثير وتأثر (احتكاكه بنظرية التلقي)، وتارة أخرى قفزة نوعية، ومرحلية جاءت نتيجة جدلية بين رفض، وصراع من أجل البقاء. وبالتالي فكل هذه المعطيات، وغيرها بلورت إستراتيجية التفكيك، وأفرزتها كإجراء يمكن تطبيقه على جميع الأشكال الأدبية مشكلة بذلك واقعا بديلا عن النقد الكلاسيكي.

Pages