قراءة كتاب جاك درايدا - ما الآن ؟ ماذا عن غد ؟

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
جاك درايدا - ما الآن ؟ ماذا عن غد ؟

جاك درايدا - ما الآن ؟ ماذا عن غد ؟

كتاب " جاك درايدا - ما الآن ؟ ماذا عن غد ؟

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

I ـ التفكيك: المقولة

التفكيك في حقيقته هو ممارسة قام بها جاك دريدا من خلال عدة مقولات منها التمركز حول العقل، والتمركز حول الصوت، التشتيت، الاختلاف، الإرجاء، علم الكتابة، ليسائل به الفكر السائد ليقيم له صرحا جديدا خاليا من التمركزات التي تأسست منذ أمد بعيد ترجع أصوله إلى زمن أفلاطون وأرسطو.

1. نقد دريدا للتمركز "حول العقل" "Logocentrism"

من بين المقولات التي قام عليها التفكيك، ما اصطلح عليه جاك دريدا "Logocentrism" أي التمركز حول العقل، أو ميتافيزيقا الحضور «و "Logos" لفظة يونانية تعني الكلام، أو المنطق، أو العقل وبهذا فإن حقلها الدلالي متشعب... ودلالة المصطلح تتشظى إلى حضور، وتمركزالكلام، أو العقل، أو المنطق» (27).

والتمركز حول العقل أو "ميتافيزيقا الحضور في أبسط تعريفاتها تعني القول بوجود سلطة، أو مركز خارجي يعطي الكلمات، والكتابات، والأفكار، والأنساق معناها، ويؤسس مصداقيتها" (28). ومن ثمة غدا هذا التمركز، أو فكرة الحضور، أساسا لكل المقولات التي قامت عليها المركزية الغربية لما يربي على خمسة وعشرين (25) قرنا؛ أي منذ عهد أفلاطون (Platon) وأرسطو (Aristote) حتى هيدغر (Heidegger Martin) ولي؟ي شتراوس (Claude Lévi-Strauss) ودو سوسير.

إن هذا المسار الزمني ليس بالهين ليظل سلطة أو مركز واحد تُعْزَى إليه جميع الأفكار، والعقليات: «وهو الارتكاز على المدلول وتغليبه في البحث الفلسفي واللغوي، حتى عندما يحاول أولئك المفكرون عزل المدلول فإنهم يستعينون بمدلول بديل» (29).

وكإثبات لما ذهب إليه جاك دريدا، والمتمثل في التأكيد على ارتكاز الفلسفة الغربية على تمركز عقلي، غدا يفكك كتابات من سبقوه من الفلاسفة، حتى يكشف هذا التمركز، ويقف على التناقض الحادث في هذه الكتابات؛ حيث بعد تفكيكه لأعلام الفكر منذ العهد اليوناني كأفلاطون وأرسطو، ومرورا بهيدغر، وليفي شتراوس إلى دو سوسير وجد أن هذه النزعة العقلية قد هيمنت هيمنة مطلقة على الفكر الغربي، وأصبحت تشكل حَجَرَ قداسة تعزى إليه جميع الأفكار، والمنطلقات الفلسفية؛ و«في ظل هذه النزعة العقلية أصبح القياس العقلي المنطقي نموذجا معياريا تقاس في ضوئه كل النماذج الفكرية. ففرض بسبب ذلك هيمنته القصوى في مجال الفكر الفلسفي» (30) ومن خلال هذا المنطلق سعى دريدا إلى تفكيك هذا التمركز «وذلك من خلال نقد الأصل الثابت والمتفرد بالقوة لمفهوم العقل» (31).

ومن هنا وجب التساؤل: ما هو هذا الأصل الثابت الذي قام دريدا عليه، ساعيا من خلال تفكيكاته إلى هدمه وتقويضه؟

إن جاك دريدا من خلال سعيه التقويضي لبعض النصوص تمكن من الوقوف على بؤرة تمركزَ عليها العقل. وبالتالي عممها على جميع الفلسفة الغربية، وتتمثل هذه البؤرة في: الاعتماد على الكلام "النطق"، وإهمال الكتابة وذلك بإنزالها إلى الدرجة الثانية. لماذا؟

حينما يتكلم المرء يثبِّت وجوده، ويركز حضوره؛ ففي الكلمة المنطوقة نعرف ما نعني، ونعي ما نقول، ونقول ما نعني، ونعرف ما نقول. وهذا ما يتنافى مع الكتابة لأن الكاتب يصب أفكاره على الورقة فاصلا إياها عن نفسه، ومحولا إياها إلى شيء قابل لأن يُقْرَأ، ويُتَناقل بين قارئ وآخر (32).

وبالتالي فإن نقد دريدا لهذا المركز جعله يستنتج «أن أحد أكبر السبل تأثيرا التي نهض عليها التمركز حول العقل في الفلسفة الأوربية هو اهتمامه بالكلام على حساب الكتابة. فالتمركز حول العقل، والمنطق هو في حقيقته تمركز حول الصوت» (33). وبالتالي فالحديث عن المركزية العقلية تحيل لا محالة على المركزية الصوتية، لكون الكلام طغى في صورته السامية على الكتابة كما يمكن أن تتحدد اللوغومركزية في «أن المركزية الكلامية، أو المركزية الصوتية، بما هي مبدأ أساسي للميتافيزيقا الغربية، إنما هي على حد قول دريدا: سيطرة اللغة المحكية سيطرة الكلام أو الـ: "Phonè" المفروض أنه يضمن حضور المعنى. ذلك أن المقالات الفلسفية الرئيسية من أفلاطون إلى هيدغر تَنزِعُ إلى إعطاء الأولوية للكلام والحذر من الكتابة» (34). وبهذا نلحظ أن الحديث الدريدي عن المركزية العقلية، قد ألحقه بالحديث عن وجود مركزية صوتية. وقد اصطلح عليها بـ "Phonocentrism" .

وحصيلة النقاش الفلسفي عند دريدا، ارتكزت على مبدإ أساسي هو المركزية، سواء أكانت عقلية، أو صوتية... قد أَثْرتْ بحق المدونة الدريدية التي اتسمت بتتبع المسار الفلسفي الممركز في الحضارة الغربية، محاولة منه قصد الخروج من هذا المأزق الفلسفي.

2. نقد دريدا للتمركز حول الصوت

لم يكتف دريدا بنقده للتمركز حول العقل فحسب، بل تعداه إلى نقده للتمركز حول الصوت وذلك لأنه رأى أن التمركز حول العقل ما هو في حقيقة الأمر إلا نتيجة للتمركز حول الصوت، من خلال إعطاء الأولوية للكلام (النطق) على حساب الكتابة.

وقد بدأ بنقده للتمركز حول الصوت انطلاقا من أفلاطون، ومرورا بجان جاك روسو (Jean Jacques Rousseau) ليحط عند دو سوسير؛ حيث يعد هؤلاء الثلاثة ممن أقصوا الكتابة، وحَطُّوا من قدرها، ونزلوا بها إلى درجة ثانية بعد الكلام لأن الفلاسفة قد عبَّروا عن «كرههمللكتابة بسبب خشيتهم من قوتها في تدمير الحقيقة الفلسفية، التي يرون أنها حقيقة نفسية خالصة، وشفافة، ولا يُعبر عنها إلا بالحديث الذاتي، أو الحديث المباشر مع الآخرين» (35). وبهذا الطرح غدا دريدا ناقدا لهذا التمركز، وساعيا إلى قلب تلك الموازين، والتصورات رأسا على عقب، وذلك حينما «يتقدم بفكرته المناقضة للموروث الميتافيزيقي، وهي بدل تصور الكتابة على أنها مشتق طفيلي من الكلام، فإن الأمر الأكثر صوابا هو اعتبار الكلام مشتق من الكتابة» (36) مؤسسا دريدا بذلك فاعلية للكتابة على حساب الكلام من حيث الأخذ والرد، والتقديم والتأخير بين الكلام والكتابة.

Pages