قراءة كتاب جاك درايدا - ما الآن ؟ ماذا عن غد ؟

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
جاك درايدا - ما الآن ؟ ماذا عن غد ؟

جاك درايدا - ما الآن ؟ ماذا عن غد ؟

كتاب " جاك درايدا - ما الآن ؟ ماذا عن غد ؟

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 6

نقد دريدا التمركز حول الصوت

أولا: مع أفلاطون

يعد أفلاطون حسب دريدا من الذين أقصوا الكتابة، وحطوا من قدرها، حينما أورد أفلاطون في فلسفته: أن الكتابة تمارس خطرا على الذاكرة، وبذلك وجب الحذر منها لأن ما من شيء يحفظ للذاكرة سلامتها، ويجعلها أكثر اتقادا غير الكلام. وبهذا حدثت مفارقة بين الكتابة والكلام ويُرجع التناقض بين وظيفة كل من الكتابة والكلام إلى كون الأولى غريبة عن النفس، فهي شيء طارئ، وخارجي ومجرد اصطلاح تقني. فيما الكلام صادر عن النفس ذاتها، باعتبارها مستوطَنته الأصلية. وكإيضاح لما ذهب إليه أفلاطون، فإنه يعتبر حسب زعمه أن لا تبليغ حادث في الأصل إلا إذا كان من إنسان إلى إنسان آخر؛ أي في تواصل مباشر يعتمد على الحضور الكلي لكلا الطرفين.

والتبليغ يحمل دلالة الكلام أكثر مما يحمل دلالة الكتابة. كما يرى أن هناك صعوبة معرفية في المقارنة بينهما وإذا أمكن «فإن نتيجتها لا تختلف عن كل النتائج التي تقوم حينما نقارن بين شيء حي وشيء ميت» (37). والذاكرة حسب الخطاب الأفلاطوني قسمان:

1. ذاكرة مستحبة بارزة ممأسسة على فاعلية الكلام.

2. ذاكرة مستهجنة ومنحطة متصلة بالكتابة وجب التخلي عنها وعدم اللجوء إلى هذا "الفارماكون" الذي يعد في ظاهره دواء ولكنه في حقيقة الأمر هو الداء.

حيث يقابل أفلاطون «بين ذاكرتين، الحسنة، والقبيحة: الـ "Mnème" والـ "Hypomnésis" الذاكرة الحية تَذكر، أو إعادة جمع، أو ذاكرة داخلية أو حضور أمام الذات؛ ومن جهة أخرى، ذاكرة خارجية، ميتة تحاكي المعرفة المطلقة، وتأخذ اسم الكتابة. فمن الأفضل الاستغناء عنالكتابة، بل من الأفضل عدم اللجوء نهائيا إلى هذا الفارماكون، هذا الدواء الذي أتى ليخفي ضعف الذاكرة الحسنة، ذاكرة الذات نفسها» (38).

ثانيا: مع جان جاك روسو

الملاحظ أن روسو يسير في ركب أفلاطون، في الحط من قدر الكتابة. حيث قسم الكتابة إلى قسمين؛ أحدهما حسن يتصل بعلم النفس الإلهي، أي يتصل بالروح، والعقل. وتدخل هذه الأخيرة في إطار المجاز لأنها تعد القانون الطبيعي الذي نقش على قلب كل إنسان بأحرف لا تَمَّحي، وهي لا تكف عن مناداته، وبالتالي تكون هذه كتابة مقدسة. أما الأخرى: فهي قبيحة، ومستهجنة وهي عنده تمثيلية، وساقطة، وثانوية. وبهذا يتضح أن روسو نهج طريق أفلاطون في إدانته للكتابة، وتقسيمها إلى قسمين، تنزع فيهما إلى مرجعية لاهوتية بحتة؛ إذ أَوْلَى الكتابة الإلهية أهمية بالغة على حساب الكتابة (التمثيلية). ولم يكتف روسو بهذا فحسب بل تعداه إلى تقسيم التعبير إلى ثلاثة أقسام: تعبير بالإشارة، وتعبير بالكلام، وتعبير بالكتابة. غير أنه يعطي أعلى درجات البلاغة للإشارة لأنها قالت كل شيء قبل الكلام، وذلك من خلال زيادة دقة المحاكاة مع الإشارة. وأما الصوت فدوره مقصور فقط على إشارة الاهتمام (39). ويؤكد روسو أن اللغة تنمو، وتتطور بقدر نماء الحاجات وتطورها، إذ بهذا الرقي تصبح اللغة أكثر عقلانية، وأقل عاطفية وحينئذ تصبح أشد ضبطا، ووضوحا.

ومن خلال هذا الطرح نجد روسو يرى «بأن الكلام هو الشكل الأصلي والأساسي كما أن الكلام أيضا هو أصح حالات اللغة، وأكثرها طبيعية وينظر روسو إلى الكتابة أيضا من منظور قلق غير مستقر بأنها مجرد شكل اشتقاقي من أشكال التعبير التي تثير الضعف والوهن بشكل أو بآخر» (40).

وتأسيسا على ما سبق؛ قسم روسو اللغة حسب تأديتها للوظيفة بالرسم، وحسب الاختلافات التي حددها وبذلك تظهر ثلاثة أساليب للكتابة وهي:

1. الأسلوب الأول: كتابة يكون فيها رسم الأشياء نفسها رسما مباشرا، مثلما يفعل المكسيكيون، أو غير مباشر كما فعل المصريون قديما. وبهذا تتوافق هذه الحالة مع زمن اللغة العاطفية، وهي تفترض أن المجتمع قد وُجد بعد، كما تفترض أن الأهواء قد ولدت بعد بعض الحاجات.

2. أما الأسلوب الثاني: فيكون بتمثيل القضايا بأحرف اصطلاحية، وهذا ما لا يتم إلا بكمال تكوين اللغة، وتحدث الشعب برمته في ظل هذه القوانين المشتركة. تماما كما حدث مع الصينيين. وذلك هو رسم الأصوات، ومخاطبة العيون.

3. في حين يكون الأسلوب الثالث: محوره تقطيع صوت المتكلم إلى عدد معين من الأجزاء الأساسية الصوتية؛ إذ يمكن تركيبها في كل متخيل من الكلمات، والمقاطع. وهذا أسلوب الجنس الأوروبي، ولا بد أن تخيلته شعوب تشتغل على التجارة، دعتها الحاجة إلى السفر إلى مختلف أصقاع العالم، إلى وضع حروف مشتركة بين اللغات وهذا ليس رسماً للكلام، وإنما هو تقطيع له. وبهذا ينتهي روسو إلى وضع فكرة تمركزه التي أشاعها منهج الوحدة، والاستمرارية القائلة إن اللغات تُعبر عن طبائع الشعوب، وأبنيتها الفكرية. ومفادها أن الأساليب الثلاثة في الكتابة تعبر حتما عن عقلية الشعوب وهي:

1 رسم الأشياء يناسب الشعوب المتوحشة.

1 علامات الألفاظ والقضايا تناسب الشعوب الهمجية.

1 والأبجدية تناسب الشعوب الحديثة (41).

Pages