كتاب " نساء على تقاطع طرق " ، تأليف إصلاح جاد ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب نساء على تقاطع طرق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

نساء على تقاطع طرق
لهذه الأسباب، وعلى خلفية مقاومة وطنية مكثفة العام 1976، كان ليوم المرأة العالمي في 8 آذار/ مارس 1978 أهمية خاصة. عقدت بعض الناشطات اجتماعاً نجم عنه ولادة لجنة العمل النسائي التي تكونت بشكل غالب من ذلك الجيل من النساء اللواتي كن يعملن في المنظمات السياسية، وبخاصة الأحزاب اليسارية كالجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والحزب الشيوعي، و«فتح»، إضافة إلى بعض النساء المستقلات. وقد حاولت هؤلاء النساء دون توانٍ الانضمام إلى بنية الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية الذي كانت تترأسه في ذلك الوقت سميحة خليل، وهي من الشخصيات الوطنية العريقة، لكنها حجبت ذلك عنهن خوفاً من أن تشكل خلفيتهن المؤيدة للمقاومة العسكرية خطراً على الجمعية الخيرية القوية(16) «إنعاش الأسرة» المستخدمة واجهة للاتحاد.
خلقت ولادة اللجنة الجديدة خارج مظلة الاتحاد الذي يمثل «كلَّ» النساء الفلسطينيات صراعاً حول القيادة والرؤية والإستراتيجيات لا يزال باقياً حتى هذا اليوم في الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية. لقد ضمت لجنة العمل النسائي كادر النساء اللواتي برزن من مختلف مخيمات العمل التطوعي التي تكاثر عددها وبخاصة بعد الانتخابات البلدية العام 1976، وكانت لها تكييفات ماركسية واهتمامات نسوية في العمل السياسي. وعلى الرغم من أن لجنة العمل النسائي تكونت أصلاً من كوادر ناشطة دون اعتبار الانتماءات السياسية، فإن صراعاً حزبياً ظهر مع الوقت في صفوفها، وأنتج عدداً متتابعاً من المنظمات النسوية ذات القواعد الشعبية (جاد، 1990: 131) (انظر الملحق أ).
يصح اتخاذ وصف موجز للتنظيم الذي برز من لجنة العمل النسائي نفسها كنموذج كذلك للتنظيمات النسائية الأخرى في هذه الفترة. كان اتحاد لجان العمل(17) النسائي تنظيماً نسائياً جماهيرياً قوياً منذ أواخر السبعينيات وحتى أوائل التسعينيات. وتضمن برنامجُ هذا الاتحاد الحصولَ على حقوق للنساء مساوية لحقوق الرجال في «المجال العام» – الرواتب، وفرص العمل، والتعلم، والمشاركة السياسية (حصو، 1997: 220). وقد اعتنق الاتحاد، بصفته مجموعة ماركسية، الافتراض بأن اضطهاد النساء ينبع من الترابط الثلاثي: القومي والطبقي والجنسي. وهكذا، يمكن تحقيق مصالح النوع الاجتماعي «الجندر» الإستراتيجية (مولينو Molyneux ،1985) من خلال تنظيم النساء وتعبئتهن في الكفاح الوطني، وتكون الوسيلة العملَ بأقصى قدر لديهن لتلبية الاحتياجات العملية للنساء الأفقر ولنساء الطبقة العاملة. وقد تبيّن أن توفير الخدمات لتلبية الاحتياجات النسائية المباشرة فيما يتعلق بالعناية الصحية والتعلم والمساعدة الاجتماعية والعمل، هو ما يضمن تحررهن الاجتماعي من قيود الاعتماد على الرجال (اتحاد لجان المرأة العاملة، 1985: 7؛ اتحاد لجان العمل النسائي الفلسطيني، 1988). أما بالنسبة إلى الاضطهاد الجنسي، فإن الناشطات من النساء كنّ على وعي به، ولكنْ كان عليهن التعامل معه بحذر وبشكل غير مباشر ضمن دائرة أعضاء التنظيم وأنصار الحزب السياسي.
نجح اتحاد لجان العمل النسائي أيضاً في تجنيد الكثيرات من المثقفات والأكاديميات والنساء المهنيات. كذلك كان أحدَ أول التنظيمات النسائية التي تأثرت بتدفق التمويل الأجنبي وإدخال العناصر المهنية خلال الانتفاضة الأولى. وفي النهاية، كان الاتحاد ضحية تحول برنامج المانحين بعد اتفاقية أوسلو العام 1993 إلى «مشاريع» تدعم «المجتمع المدني» الفلسطيني والحكم الصالح و«حل النزاعات»؛ أي «المشاريع المشتركة» بين الفلسطينيين والإسرائيليين. كذلك كان الاتحاد أولَ تنظيم نسائي يتأثر بالانشقاق في قاعدة دعمه المؤسسية، الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. ومن أجل التقليل من اضمحلال هذه القاعدة، أخذ الاتحاد يتوجه نحو نساء مستقلات ومهتمات بالشؤون النسوية من خارج الانتماء السياسي الحزبي.
كان أحدُ أهم مكونات نجاح الاتحاد التزامَه بمساعدة النساء من خلال التركيز على احتياجاتهن المحددة، أو على ما أصبح يعرف باحتياجاتهن العملية (التي كثيراً ما اشتملت على وسائل لتوليد الدخل وتوفير العناية أثناء النهار وخدمات ما قبل المدرسة). ولم تستند هذه المهمة إلى «إشباع الاحتياجات الناشئة عن وضع النساء ضمن التقسيم الجنسي للعمل» (مولينو، 2001: 153) قدر استنادها إلى إشباع الاحتياجات العملية كحلقة وصل لمتابعة «الاهتمامات الإستراتيجية» الأكبر بالتحرير الوطني، وكذلك لتحويل العلاقات الاجتماعية من أجل تأمين إعادة تحديد وضع أكثر ديمومة للنساء ضمن نظام النوع الاجتماعي «الجندر»، وفي المجتمع عموماً (سهام، أمل، زهيرة، مقابلات).
انعكس الترابط بين الاهتمامات الإستراتيجية والاحتياجات العملية للنساء من خلال تكوين مشاريع مختلفة للاتحاد. وكانت مشاريعه المدرة للدخل تختلف عن مشاريع الجمعيات النسائية الخيرية، من حيث أنه كان لديها التزام مسبق بآليات اتخاذ قرار يتخذ من خلال المجموعة. إضافة إلى هذا، لم تكن أهداف مشاريع الاتحاد الربحية أو «العمل الخيري»، ولكن الوصول إلى النساء والعمل الاجتماعي والسياسي بهدف تعبئتهن وتنظيمهن. سعى التنظيم إلى توفير خدمات تريدها النساء، وقسطٍ من الاستقلال الاقتصادي من خلال العمل المأجور، وحيز اجتماعي مسيّس تشارك فيه نساء أخريات. بالإضافة إلى ذلك، فقد أراد الاتحاد زيادة الدعم الجماهيري له ولحزبه الذي أوجده، الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. وكان ما حفز على إيجاد مشاريع منتجة للدخل للنساء والفتيات، كذلك معرفة الاتحاد أن تجنيدَ نساء القرى ونساء الطبقة العاملة يتطلب توفيرَه لبنية عمل آمنة تكون مقبولة لدى العائلات والمجموعات المدنية (حصو، 1997: 223؛ سهام، مقابلة). ازداد الطلب على هذه المشاريع المنتجة للدخل خلال الانتفاضة الأولى، ومع تدهور الحالة الاقتصادية العامة أصبحت النساء أكثر انخراطاً في مشاريع الاتحاد.