ديتليف ميليس التحقيق والتداعيات، لـمـاذا.. هذا الكتاب؟؛ لأن جريمة اغتيال الشهيد الكبير هزّت كيان كل مواطن لبناني، وزلزلت صورة المستقبل عند كل عروبي يهمه التقدم والتطور لهذا المجتمع..
You are here
قراءة كتاب ديتليف ميليس التحقيق والتداعيات
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
موجز
أودى انفجار وقع في وسط بيروت في 14 شباط/فبراير 2005 بحياة عشرين شخصا بينهم رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. وقد أوفد الأمين العام للأمم المتحدة بعثة لتقصي الحقائق إلى بيروت لتحري أسباب وملابسات وعواقب هذا الاغتيال.وعقب وصول البعثة إلى بيروت في 25 شباط/فبراير التقت عددا كبيرا من المسؤولين اللبنانيين وممثلي مختلف المجموعات السياسية، وأجرت استعراضا شاملا لإجراءات التحقيق والإجراءات القانونية اللبنانية، وعاينت مسرح الجريمة والأدلة التي جمعتها الشرطة المحلية، والتقطت وحللت عينات من مسرح الجريمة، واستجوبت بعض الشهود في خصوص الجريمة.
ولن يمكن التأكد بشكل موثوق من ”الأسباب“ المحددة لاغتيال السيد الحريري إلا بعد أن يجري إحضار مقترفي هذه الجريمة أمام العدالة. إلا أنه من الواضح، رغم ذلك، أن الاغتيال جرى في سياق سياسي وأمني شابهُ استقطاب حاد حول مسألة النفوذ السوري في لبنان، وعجز من جانب الدولة اللبنانية عن توفير الحماية الكافية لمواطنيها.
وفيما يتعلق بالملابسات، ترى البعثة أن الانفجار نجم عن عبوة من مادة التراينيتروتولوين (تي. إن. تي) يقارب وزنها 000 1 كيلوغرام، وضعت على الأرجح فوق سطح الأرض. ويشير استعراض لما أجرى من تحقيقات إلى افتقار واضح للالتزام من جانب السلطات اللبنانية بإجراء تحقيق فعال في الجريمة، ويظهر أيضا أن هذه التحقيقات لم تجر وفقا للمعايير المقبولة دوليا. وترى البعثة كذلك أن التحقيقات اللبنانية تعوزها ثقة الناس، التي تعتبر شرطا أساسيا لكي تحظى نتائجها بالقبول.
ومن الممكن أن تكون لهذا الاغتيال عواقب بعيدة المدى. فقد أدى على ما يبدو إلى فتح الباب أمام الاضطرابات السياسية التي ظلت تجيش طوال العام الماضي. وثمة اتهامات واتهامات مضادة تتفشى في الأجواء وتسهم في تفاقم الاستقطاب السياسي الجاري. ويتهم البعض أجهزة الأمن والقيادة السورية باغتيال السيد الحريري باعتبار أنه أصبح عقبة كأداء بوجه نفوذها في لبنان. أما مؤيدو سوريه فيرون أن اغتياله تم بأيدي ”أعداء سوريه“؛ الذين يرمون إلى وضع ضغوط دولية على القيادة السورية من أجل الإسراع بنهاية نفوذها في لبنان، و/أو إطلاق سلسلة من ردود الأفعال تفرض في نهاية المطاف ”تغييرا في نظام الحكم“ داخل الجمهورية العربية السورية نفسها. وقد أعرب سياسيون لبنانيون من مختلف المشارب أمام البعثة عن مخاوفهم من احتمال أن يزج بلبنان في مواجهة حاسمة محتملة بين الجمهورية العربية السورية والمجتمع الدولي ستكون لها عواقب مدمرة على السلم والأمن اللبنانيين.
وبعد أن فرغت البعثة من تجميع المعلومات المتاحة، خلصت إلى أن أجهزة الأمن اللبنانية والمخابرات العسكرية السورية تتحمل المسؤولية الرئيسية عن انعدام الأمن والحماية والقانون والنظام في لبنان. وقد أظهرت أجهزة الأمن اللبنانية إهمالا جسيما ومطردا في القيام بالواجبات التي يضطلع بها عادة أي جهاز أمني وطني محترف. ونجم عن هذا الإهمال عجز خطير في قدرتها على توفير مستوى مقبول من الأمن لمواطني لبنان، فأسهمت من ثم في إشاعة ثقافة التخويف والإفلات من العقوبة. وتشترك المخابرات العسكرية السورية في هذه المسؤولية بمقدار ما هي مشتركة في تسيير أجهزة الأمن في لبنان.
وتستنتج البعثة أيضا أن حكومة الجمهورية العربية السورية تتحمل المسؤولية الرئيسية عن التوتر السياسي الذي سبق اغتيال رئيس الوزراء السابق السيد الحريري. فمن الواضح أن حكومة الجمهورية العربية السورية مارست نفوذا تجاوز حدود الممارسة المعقولة لعلاقات التعاون والجوار حيث تدخلت في تفاصيل الحكم في لبنان بأسلوب جائر وعنيد، كان هو السبب الرئيسي لعملية الاستقطاب السياسي التي تلته. وبدون المساس بنتائج التحقيق، يبدو جليا أن هذا المناخ وفر الخلفية لاغتيال السيد الحريري.
وقد وضح للبعثة أن عملية التحقيق التي أجرتها الأجهزة اللبنانية يعتريها خلل خطير، وأن هذه العملية تفتقر إلى القدرة على التوصل إلى نتائج مرضية وموثوق بها أو الالتزام بذلك. ومن أجل كشف الحقيقة، لا بد أن يعهد بالتحقيق إلى لجنة دولية مستقلة تضم مجالات الخبرة المختلفة التي ينطوي عليها عادة إجراء عملية تحقيق كبيرة مماثلة في الأنظمة الوطنية، وأن تتمتع هذه اللجنة بالسلطة التنفيذية الضرورية لإجراء استجوابات وتفتيشات وأداء مهام أخرى ذات صلة. وعلاوة على ذلك فإنه من المشكوك فيه إلى حد بعيد أن تتمكن مثل هذه اللجنة الدولية من الاضطلاع بمهامها بشكل مرضٍ، وأن تحظى بالتعاون الفعلي الضروري من السلطات المحلية، طالما ظلت القيادات الحالية للأجهزة الأمنية اللبنانية باقية في مناصبها.
وتستنتج البعثة أن استعادة أجهزة الأمن اللبنانية لنزاهتها ومصداقيتها يكتسي أهمية حيوية من أجل بسط الأمن والاستقرار في البلد. وتحقيقا لهذه الغاية لا بد من بذل جهد مستمر لإعادة تشكيل أجهزة الأمن اللبنانية وإصلاحها وتدريبها من جديد. وستحتاج هذه العملية على وجه التأكيد إلى مساعدة ومشاركة نشطة من جانب المجتمع الدولي.
وأخيرا، ترى البعثة أن الدعم السياسي الدولي والإقليمي ضروريان لضمان الوحدة الوطنية للبنان، والصد عن هشاشة مؤسسة الحكم فيه إزاء أي ضغوط لا لزوم لها. كما ترى أن تحسين آفاق السلم والأمن يوفر أرضية أكثر صلابة لاستعادة الأوضاع السوية في لبنان.