هذا الكتاب ينتمي إلى القليلين... الذين لعلّ أحداً منهم لم يولد إلى الحياة حتى الآن. ولعلّهم أن يكونوا أولئك الذين سيفهمون زرادشتي.
You are here
قراءة كتاب عدو المسيح
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

عدو المسيح
لكن لماذا أترجم هذا الكتاب؟ لأنّ الكثيرين ـ والعدد الأكبر بحسب تعبير نيتشه ـ لم يزالوا يعيشون في الزمن الذهني السابق عليه، بل البعيد جدّاً عنه إلى الوراء.
لا لأولئك الصرحاء المقدامين الناظرين بإخلاص تام إلى الأمام أقدّم هذا الكتاب، فهؤلاء قد صاروا بِغُنيةٍ عنه، بل إلى أولئك المتردّدين، وأولئك الناظرين إلى الوراء حيث يظنون العصر الذهبي مع أسلافهم ودُعاة معتقداتهم.
يعيش الكثيرون في تناقض آخر غير الماديّ والروحي، هو الحاضر والماضي، هؤلاء يمشون متراجعين وبظهورٍ إلى المستقبل!
لو كان الأمر أمرَ نقضٍ للمسيحية فحسب، لما كان بالغ الجدوى نشرُ هذا الكتاب وفي بلادٍ عموم ساكنها مسلم. لكنّي من ورائه أريد أن أضع بين يديّ القارئ، وليس فقط بين يديه، بل في عقله إن أمكنه، منحىً مختلفاً في الرؤية التاريخيّة يقدّمه فيلسوف كبير، كما أريد أن أوضح أنّ تقدم الغرب قد أتيح ـ وعُبّر عنه معاً ـ بأمور كثيرة منها إتاحة المجال للآراء العقلية وإفساح المدى الوسيع للنقد الديني وفصل الدين عن الدولة،بل مُلاشاة الدين. ثمّ إنّ نقد نيتشه للمسيحية يقوم على نقد اليهودية بالذات.
قد يقال إنّ المسيحية تحمل إمكانية من المرونة أكثر ممّا في الإسلام كونها ليست شريعة، وقد يكون هذا نظرياً فيه شيء من الصواب، لكن لا أحد يحدثني عن الواقع. فإنّ كلّ ديانة واحديّة هي تعصّب لإيمان، ولا ننسَ محاكم التفتيش وقتل برونو ومحاكمة غاليليو والعنف الديني في فرنسا وبريطانيا لمّا بدا أن الكنيسة في الواقع تتعرّض للهجوم.
لقد كانت المسيحية عقبة بدورها، وتقدُّم أوروبا بدءاً من عصر النهضة يتماهى مع تقهقر المسيحيّة.
لعلّ أقدمية المسيحية على الإسلام بست مئة سنة، أَهْرَمَها، ومكّن منها أوروبا.لكن ألعلّنا هكذا ننتظر مئات السنين لنتطوّر كأوروبا؟! ولكن ما أعرفه أنّ هذا المنحى عبثي وصوريّ للغاية. أعرف أنّ نشوء واضمحلال ديانة يتعلق بالمجتمع وتطوّره وبشبابه أو هرمه،لكن ألا يمكن أن نستفيد من التراث النقدي تجاه المسيحيّة؟ ومن العلم الغربيّ؟
إنّ كل امرئ يحب ولده بأكثر من محبته لأبيه، لأنه المستقبل، وجلّ ما أخشاه هنا، وفي هذه القضايا البالغة الوسع والأهمية، أن نفعل العكس.
* * *
فيما يختصّ بالترجمة فقد ترجمت هذا الكتاب عن ثلاث ترجمات مختلفة له باللغة الإسبانية. وكنت ملتزماً للتدقيق البالغ بمقابلة كلّ عبارة على النسخ الثلاث.
وفي هذه الطبعة الجديدة رجعتُ إلى ترجمةٍ إنكليزية للكتاب صادرة عن دار PENGUIN المعروفة، ودقّقتُ عليها الكتاب، منقِّحاً فيه ومكيِّفاً الترجمة إلى ما أراه أكثر وضوحاً وصواباً.
وأمّا الهوامش فهي فقط تفسيرية للمساعدة على جلاء النصّ. علامة [P] تدل على هوامش الترجمة الإسبانية الصادرة عن Panamericana في بوليفيا، ترجمة مارتا ميزاروس وتقديم وهوامش رافائيل جيراردوت، وهي طبعة غنية بالمعلومات والصور.
أمّا بقية الهوامش فهي لي. مع الإشارة إلى أنّ نيتشه لم يضع أية هوامش.