لقد سُجنت المرأة الإغريقية في الخدر، ومُنعت من المشاركة في الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية للمدنية. وباستثناء بعض المحظيات ومومسات «المجتمع الراقي» وهي حالات نادرة جداً، تسود القاعدة التي عبر عنها سقراط نفسه بقوله «السياسة للرجال والمنزل للنساء».
You are here
قراءة كتاب مستقبل المرأة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
بهذا الأسلوب بنيت المؤسسة العسكرية (وهي الأكثر تعبيراً عن النظام الرجالي) نموذجاً لكل المؤسسات الأخرى، معتمدة على الطاعة المطلقة، ساحبة من الإنسان بعده البشري الأكثر خصوصية: بعد الاستقلالية الواعية، والمبادرة والمسؤولية، دون ذلك لا يمكن أن توجد مجموعة بشرية بالفعل، ولا إبداع أشكال جديدة من الحياة، ولا حتى الدفاع ذاته من نوع «المقاومة» وحركات «التحرر» التي لا يمكن تصوّرها دون انتظام بإرادة حرة، ودون مخاطرة وتضحية تم اختيارهما بشكل شخصي.
إن الجيش هو نموذج كل الأشكال الأخرى من تفويض واستلاب المسؤولية. ويدمّر هذا الاختراع الرجالي الخصوصي، في مبدئه ذاته، كل إمكانية للدفاع الحقيقي، أي الدفاع عن ذاتية الكيان البشري ضد كل غزو خارجي، وكل قمع داخلي.
وليست الدولة إلا تعميماً للعلاقات العسكرية ـ بالهيمنة وخنق ذاتية الكيان البشري ـ على كل التظاهرات الأخرى للتنظيم الاجتماعي.
تمثل المرْكَزَةُ العسكرية للعنف نموذجاً لكل أشكال المركزة الأخرى: الرأسمالية، البيروقراطية، الإدارية، البوليسية، وحتى التربوية والثقافية.
إن مدينية التجمعات الكبرى الخانقة ليست إلا المثيل المدني للثكنة بنفس درجة الجامعة والمعهد، من أصل نابليوني، كمصدر للموظفين والضباط في فكر مؤسسهما، ومصدر للتكنوقراطيين والبيروقراطيين في غياب فكر أخلافه.
إنه المنتهى المحتّم لحضارة (تولد أو تبرر البنى) لم يضعها إلا نصف فقط، هو النصف الرجالي من البشرية.
لأن كل هذه الإيديولوجيات التي تبرر الهيمنة الرجالية المطلقة على التخطيط الأخرق واستلاب الذاتية البشرية تحت حجة «التنظيم العقلاني» وترسيخ التنافس والتنازع ـ وهما ليسا إلا تسميات مختلفة للعنف والازدواجية تحت وجوه متعددة، بين المستبدين والمقهورين ـ تقود (هذه الايديولوجيات) إلى أشكال حضارية جزئية ومفقرة. وليست العنصرية، التي تقسم وترتب الإنسانية حسب معايير بيولوجية وحيوانية ولا إنسانية إلا شكلاً أقصى منها. وليس أي مفهوم لـ «شعب مختار» حسب الوراثة والامتيازات الدموية أقل تدميراً للوحدة البشرية. هذه الرؤية الخاطئة التي دعمتها الخرافات الغربية بقوة كعماد إيديولوجي لكل أنواع الاستعمار، من مجازر هنود أمريكا إلى تجارة العبيد الإفريقيين إلى الهيمنة الاستعمارية في القرن التاسع عشر والتسلط والمبادلات غير العادلة التي تستمر حتى نهاية القرن العشرين، هذه الرؤية، ليست إلا تنويعاً لأطروحة العنصرية، حيث أخذ التاريخ، ببساطة مكان البيولوجيا، يشكل مذهب النمو بطقوسه الجنوبية في الدعاية والتسويق واقتسام أسواق المواد الأولية والقوى العاملة الرخيصة، العالمية، كما يشكّل البعد الاقتصادي لايديولوجيا الهيمنة هذه التي يؤدي فيها «نمو» بعضهم إلى خلق تخلف كل الآخرين كعاقبة مباشرة لها.
إذا كان «النظام الرجالي» المسيطر منذ آلاف السنين، بهذا الشكل، فإن حركة الاحتجاج النسائية لا يمكن أن تقتصر على مطالبات تؤدي إلى تغيير في وضع المرأة فحسب، بل إلى تغيير جذري في مجموع العلاقات الاجتماعية.
فالأمر يتعلق بشيء يختلف عن المطالبة المحتمة بمساواة المرأة للرجل، لأن ذلك يقود، فحسب إلى مساواة داخل منظومة هيمنة وضع بناءها الرجال والرجال فقط.
إن الحركة النسائية تضع هذه البنى ذاتها موضع الاتهام.
إن المطالبة بحق المساواة كانت مرحلة ضرورية لا غنى عنها، أما اليوم فإن المطالبة بحق الاختلاف والخصوصية هي التي تأخذ دورها. وتثبت «ماريا دي لورد بنتاسيلغو» أن الموجة الثانية من الحركة النسائية تستوجب تحتيم «ثورة مؤسسة»(15). وهي تقول إن النساء يكثفن كل أشكال الهيمنة، وتكون الطاقة الثورية لحركتهن من خلال ذلك هائلة: «إن المساءلة والاتهام لا يتوجهان إلى مجتمع دولة أو أخرى أو نظام أو آخر، بل إلى المجتمع الذي يشمل كل المجتمعات، والذي يصبح مستحيلاً ضمنه، لأية «مجموعة» وطنية محصورة، تحديد مصير جديد لها»(16).