هذه ثلة من مقالات كنت قد نشرت معظمها في صحف أو في مجلات محلية وكتبت بعضها لاحقا وادخرته لهذا المؤلف.
You are here
قراءة كتاب طب وما أشبه
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الحِجامة
نظرية شفط الأمراض وموازنة الطاقة [موضوع لا بد لكل طبيب ومثقف أن يفهمه فهماً علمياً صحيحا]
الحِجامة لغة
الحَجْم لغةً يعني المص. يقالُ حَجَمَ الصبيُّ ثديَ أمّهِ إذا مصّه. وثديٌ محجومٌ: أي ممصوص. ويقال للحاجم حاجِماً وحجّاماً لامتصاصه فم المِحجَمِ أو المِحجمةِ. قال الأزهري: المِحجَمةُ قارورته، أي قارورة الحجام التي يحجم بها الناس، والحِجامةُ (بكسر الحاء) فعل الحاجم أو الحجّام. أما الأوروبيون فقد دعوا المِحجمة: الكوب (cup) ، كما سمّوا الحِجامة بالانكليزية: (cupping) ، وهو مصطلح إذا أردنا ترجمته لفظياً قلنا: التكويب، بدلاً من الحِجامة، فالكوب (وجمعه: أكواب) لفظة عربية قرآنية بيّنة(2)، ومنها الفعل كابَ يكوبُ أي شرب بالكوب، وهو القدح الذي لا عروة فيه. وسنرى لهذا الفن أسماء أخرى.
تعريف بها
الحِجامة عملياً يراد بها شفط الجلد والأنسجة الرخوة الواقعة تحته إلى جوف المِحْجَم بعد تطبيقه فوق الجلد بإحكام وخلخلة الضغط فيه. وتتم خلخلة الضغط في جوف المحجم، كي يلتصق بالجلد ويشفطه، بطرائق مختلفة أهمها عند العرب مص هواء المحجم بالفم، وهنالك طرائق أخرى. وغالباً ما تُصطَنع في الجلد قبل تطبيق المحجم عليه شَرَطاتٌ سطحية بآلة حادة فإذا ما طُبِقَ المحجم فوقها تسرب الدم منها إلى المحجم المخلخل الضغط. وربما اصطُنِعت الشرطات الجلدية، في منطقة ما، بعد حجمٍ أولي لها يؤدي إلى احتقان الدم فيها كي يسيل كمٌّ أكبر من الدم إلى المحجم عند تطبيقه عليها ثانية. وتدعى الحجامة التي يسيل فيها الدم إلى داخل المحجم بالحجامة الرطبة (wet cupping) . أما إذا لم تصطنع الشرطات السطحية واكتفى الحجام بشفط الجلد وما تحته إلى جوفِ المحجمِ دونما إسالة للدم فإن هذا النوع من الحجامة يدعى بالحِجامة الجافة (dry cupping) . ولقد طوروا فنهم حديثاً بتحريك الكوب من مكان إلى آخر وهو لصيق بالجلد وذلك بدهن الجلد بزيت ييسر انزلاق الكوب فوقه، ويدعى هذا الفن الحِجامي بالحِجامة المنزلقة (sliding cupping) .
طرائق إفراغ جوف المِحجم من الهواءوإلصاقه بالجلد ثم شفطه
إن لإفراغ جوف المحجم (الكوب (cup) ) من الهواء وخلخلة الضغط داخله طرائق مختلفة الشهير منها هو تسخين باطن الكوب بشعلة قطن محترق أو بلهب مصباح صغير، فتطرد حرارة النار الهواءَ من جوف الكوب، وعندئذ يطبّق الكوب بسرعة وبإحكام على الجلد، فإذا ما برد الهواء الذي بداخله في اللحظات التالية أصبح جوفه مخلخل الضغط فالتصقت حوافيه بالجلد تماماً وقبَّ (3) الجلد وأنسجته التحتية إلى داخله حتى تحتقن المنطقه المندفعة داخل الكوب بالدم احتقاناً، فإن كان في الجلد شرطاتٌ سطحية نَضَحَ الدم خلالها إلى الكوب وتراكم فيه حتى يرفعَه الحجام وَيُهَرْيقَهُ (شكل 1).
أما الحجامون العرب الأقدمون فقد اتبعوا طريقة أخرى في إلصاق المحجم بالجلد ونزح الدم منه ألا وهي المص بالفم كما أسلفنا، فآلة الحجم عندهم قارورة قمعية الشكل ذات أنبوبة علوية للمص بالفم، ومن المص هذا تأتّى، كما مرّ آنفاً، مصطلح الحجامة، فهم يمصون المحجم بهذه الأنبوبة حتى يتخلخل الضغط داخله ويندفع الجلد إلى جوفهِ ثم يعمدون إلى سد فتحة المص العليا بسرعة وترك المحجم ملتصقاً بالجلد حتى ينتهي عملهم. وفضلاً عن دلالة اسمها، فإن دليل استخدامهم المص في الحجم هو قول ابن الأثير: المِحجم، بالكسر، الآلة التي يُجمع فيها دم الحجامة عند المصّ. وفي حديث الصوم، قوله (صلى الله عليه وسلم): "أفطر الحاجم والمحجوم". قال ابن الأثير في معناه: إنهما تعرضا للإفطار، أما المحجوم فللضعف الذي يلحقه من خروج دمه فربما أعجزه عن الصوم، وأما الحاجم فلا يأمن أن يصل إلى حلقه شيء من الدم فيبلعه أو من طعمه.
ولقد اهتدى الحجامون المعاصرون إلى طريقة آلية لتفريغ الكوب من هوائه بآلة ماصّةٍ يدوية تسحب الهواء من فتحة ذات صِمامٍ في أعلى المحجم، وهذه طريقة قريبة من طريقة العرب القديمة في مص المحجم فموياً.