You are here

قراءة كتاب أشباح الجحيم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أشباح الجحيم

أشباح الجحيم

رواية "أشباح الجحيم" للروائي الجزائري المعروف بياسمينة خضرا، ترجمها إلى العربية د. محمد ساري، وصدرت عن دار الفارابي عام 2007:

تقييمك:
3
Average: 3 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

أربكتني كلماته، ولكن بصره كان مسدداً نحوي. أعترف أن الدكتور جلال كان يباغتني باستمرار. تجاوزتني صراحته؛ لم أتعوّد على مثل هذه الاعترافات. في كَفْر كرَم، إن مثل هذا الإفشاء قاتل لا محالة. لم أسمع أبداً شخصاً يتحدث عن أمه بهذه الكيفية، وقد أربكني الابتذال الذي ينشر بواسطته الدكتور جلال أوساخه. فأضاف:
- إنها من الأمور التي تحدث.
- أنا موافق، قلت للانتقال إلى موضوع آخر.
- أنت موافق مع من؟
بقيت حائراً. أجهل ماذا يدور في رأسه، ويقلقني أن أكون مفتقراً إلى الحجج.
تراجع الدكتور جلال عن الجدل. لسنا من طينة واحدة، أحياناً حينما يتحدّث مع أناس من وضعي، ينتابه شعور بأنه يخاطب جداراً. ومع ذلك، فالعزلة تثقل كاهله، وحديث صغير مهما كان تافهاً، قد يجنِّبه الغرق في غيبوبة كحولية. فحينما لا يتحدث الدكتور جلال، فإنه يفرط في الشراب. إن سكراته هادئة، ولكنه يرتاب من العوالم التي رسا عليها. لم يتمكن من طمأنة نفسه برغم ترداده أنه بين أيدٍ آمنة. أليست هذه الأيدي هي نفسها التي تطلق الرصاص في الظلام، تذبح وتخنق، تخفي متفجرات تحت مقاعد الأشخاص غير المرغوب فيهم؟ صحيح أنه لم تحدث غارات عقابية منذ أن وصل إلى بيروت، ولكن في سجلّ مستقبليه مجازر رهيبة. إن ما يقرأه في عيونهم لا يخطئ: إنهم الموت زاحفاً. عثرة عابرة، إفشاء سرّ، ولا يجد حتى الوقت الكافي لإدراك ما يحدث له. منذ أسبوعين فقط، وُجِد عِماد، الفتى المُكلّف بالاهتمام بي، يتخبط في برازه وسط ساحة عمومية. بالنسبة للشرطة، إن عماد مات بسبب جرعة مخدرات قاتلة. وهذا أفضل. أصدقاؤه، الذين أجهزوا عليه بحقنة معدية، لم يحضروا جنازة دفنه؛ تصرفوا كأنهم لا يعرفونه، لا من آدم ولا من حواء. منذ تلك الحادثة، أصبح الدكـتور جلال ينظر مرتين تحت سريره قبل أن يندس تحت الغطاء. قال:
- كنت تتحدّث وحدك، قبل قليل.
- يحدث لي أن أفعل.
- وعمّا كنت تتحدث؟
- ... لا أتذكر.
هزّ رأسه ثم عاد إلى تأمل المدينة. إننا في شرفة على سطح الفندق، في آخر طابق، داخل نوع من القبّة الزجاجية، تشرف على شارع الحي الرئيسي. توجد فيها بعض الكراسي من السوْخر، وطاولتان منخفضتان، وسرير في زاوية تسهر عليه رفوف مثقلة بالكتب وكرّاسات الإشهار. قال لي:
- لا تثقل كاهلك بالأسئلة.
- لم أعد أطرح على نفسي أي سؤال.
- حينما ننعزل، نطرح دوماً أسئلة على أنفسنا.
- أما أنا فلا.
درّس الدكتور جلال طويلاً في الجامعات الأوروبية. كان يظهر باستمرار على شاشات القنوات التلفزيونية ينتقد "الانحراف الإجرامي" لإخوته في الدين. فلا الفتاوى الصادرة بحقّه، ولا محاولات اختطافه، تمكنت من ردع عنفوان حدّته. كان على وشك أن يصبح قائد رتل المتهجمين على الجهاد المسلح. ثمّ، وبلا أدنى تحذير، وجد نفسه في الصفوف الأولى لإمامة الأصولية. أصيب بخيبة أمل عميقة من لدن زملائه الغربيين، وقد لاحظ أنهم يغلِّبون دوماً وضعه كمهاجر عربي حقير على وضعه كمثقف متمرس، فكتب مرافعة قاسية حول العنصرية الفكرية السائدة في أوساط المدارس الفكرية الغربية، وباشر بتحليقات عجيبة للتقرب من الدوائر الإسلاموية. في البداية، اتُّهم على أنه جاسوس مزدوج، ثمّ أعيد له الاعتبار وكلّفته الإمامة بعمل الدعاية لها. وها هو اليوم يجوب البلدان العربية والإسلامية لتسخير موهبته في الخطابة وذكائه الخارق لصالح تعليمات الجهاديين. قال لي مقترحاً:
- يوجد ماخور غير بعيد من هنا. ماذا لو زرت إحدى فتياته؟
ذُهِلت.

Pages