You are here

قراءة كتاب أشباح الجحيم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أشباح الجحيم

أشباح الجحيم

رواية "أشباح الجحيم" للروائي الجزائري المعروف بياسمينة خضرا، ترجمها إلى العربية د. محمد ساري، وصدرت عن دار الفارابي عام 2007:

تقييمك:
3
Average: 3 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

- يوجد ركام من الأسئلة تخترق ذهنك حينما لا يتسنى لك الاختيار. ليس الخونة هم الذين يسقطون بالضرورة. أحياناً، يحدث خلل ما، وتخطئ رصاصاتنا الهدف.
- إنها الحرب، يا فتى.
- أعرف. ولكن الحرب لا تفسّر كل شيء.
- لا شيء بحاجة إلى تفسير. تقتل، ثمّ تموت. هكذا تجري الأمور منذ العهد الحجري.
سكتنا. كل واحد ينظر إلى المدينة من جهته.
- شيء جميل لو يلتحق مفكرونا بنضالنا. هل تعتقد أن الأمر ممكن؟
- ليس بالحشود، هذا ما أخشاه، قال بعد تنهد، ولكن عدداً منهم سيلتحق، بلا شك. لا شيء يمكن أن ننتظره من الغرب. وسينتهي الأمر بمفكرينا إلى إدراك ذلك يوماً. الغرب لا يحب إلّا نفسه. لا يفكر إلّا في نفسه. وإذا مدّ لنا يد المساعدة، فلكي يستخدمنا كطعم، لا غير. يتلاعب بنا، يؤلّب بعضنا ضد البعض الآخر، وحينما تنتهي اللعبة، يرمينا في أدراجه السرية وينسانا.
تسارع تنفس الدكتور. أشعل سيجارة جديدة. ارتعدت يده، وتجعّد وجهه، في لحظة خاطفة تحت ضوء القدّاحة، كما المنديل.
- ومع ذلك، كنتَ على شاشات كل القنوات التلفزيونية...
- نعم، ولكن على كم منصة فائزة؟ قال مغمغماً. أبداً لن يعترف الغرب بأفضالنا. بالنسبة إليه، العرب لا يحسنون إلّا الضرب في الكرة أو الصراخ في مكبر صوت. وكلّما أثبتنا له العكس إلّا وارتفع إنكاره لنا. وإذا حدث، مرة وبالصدفة، أن أجبرت هذه المدارس الآرية أن تقوم بحركة باتجاه هؤلاء "العرب القذرين المدجَّنين"، ستختار أسوأهم لإثارة غيرة أحسنهم. عرفت هذه الوضعية عن قرب. أعرف ماذا يعني ذلك.
أضاءت جمرة عقب سيجارته الشرفة. كمن يريد استهلاك سيجارة كاملة في نفحة واحدة.
تشبثت بشفتيه. إن قدحه شبيه بوساوسي، يدعّم أفكاري الثابتة، وينفخ في روحي طاقة ذهنية رائعة.
- وقبلنا، تعلمه آخرون على حسابهم، واصل مغتمّاً. عند التحاقهم بأوروبا، فكروا أنهم عثروا على وطن لعلمهم وعلى أرض خصبة لطموحاتهم. ومع ذلك، كانوا يدركون أنهم ليسوا مرغوبين، ولكنهم صبروا أكثر مما يستطيعون التحمل، مدفوعين بشيء من السذاجة. ولأنهم اعتنقوا القيم الغربية، فإنهم صدّقوا كل ما يهمس في آذانهم من مفاهيم نبيلة: حرية التعبير، حقوق الإنسان، المساواة، العدالة... كلمات كبيرة وفارغة مثل الآفاق المسدودة. ليس كل ما يلمع ذهباً. كم من عباقرتنا نجحوا؟ أغلبهم مات غيظاً. أنا متأكد أنهم لا يزالون يؤنِّبون ضمائرهم حتى وهم في القبور. بالرغم من أن الأمر فاضح بأنهم يناضلون من أجل بصلات عفنة. أبداً، لن يسمح أقرانهم الغربيون بصعودهم إلى دفّة الاعتراف العلمي. إذ إن العنصرية الحقيقية كانت دوماً فكرية. فالتمييز العنصري يبدأ بمجرد أن يُفتَح كتاب لنا، حيث قضى كبارُنا بالأمس دهراً لإدراك هذا الأمر؛ وقت تصحيح الرمي، كانوا خارج جدول الأعمال. هذا لن يحدث لنا. إننا ملقحون. من لا يملك لا يعطي، يقول مثل من عندنا. إن الغرب ليس إلّا أكذوبة حامضة، انحرافاً مقطراً بعناية، نشيد جنية البحر للذين غرقت هويتهم. يقول عن نفسه أرض استقبال وترحيب؛ في الحقيقة، ليس إلّا نقطة سقوط حيث لن نخرج منها سالمين أبداً...
- هل تظن بأن لا خيار لنا.
- كلّياً. لم يعد التعايش ممكناً. إنهم لا يحبوننا، ونحن لم نعد نحتمل عجرفتهم. على كل واحد منا أن يعيش في جهته، مديراً ظهره كلية للآخر. ولكن، قبل أن ننشئ الجدار الكبير، علينا أن نكبّدهم خسارة فادحة انتقاماً من الشر الذي سلطوه علينا. لهذا من الضروري أن يعرفوا أن التخاذل ليس من شيمنا، ولكنها حماقتهم.
- ومن سيكون الغالب؟
- ذلك الذي ليس له ما يفقده.
رمى عقب سيجارته أرضاً وسحقه كما أنه يهشم رأس حية. من جديد، أحرجتني حَدَقتا عينيه المتفجرتان.
- أتمنى أنك ستذيقهم الأمرين، لهؤلاء الأنذال.
صمتّ. من المفروض أن الدكتور يجهل سبب إقامتي في بيروت. لا أحد ينبغي معرفة السبب. أنا نفسي، أجهل ما ينبغي أن أنجزه. أعرف فقط أن الأمر يتعلق بـ أكبر عملية لم يقم بها أحد في أرض العدو، ألف مرة أكثر صداماً من اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر...
أدرك أنه بصدد جرِّي نحو حقل خطير لي وله معاً، دعك القنينة في قبضة يده، ثمّ لفظها في مزبلة.
- سيتأزّم الوضع على نطاق واسع، قال مغمغماً. لا أريد تفويت فرصة الحضور بأي ثمن.
حيّاني وانصرف.
بقيت وحدي، فأعطيت ظهري للمدينة وتذكرت كفْر كرَم... كفْر كرَم قرية بائسة وقبيحة لا أستبدلها بألف احتفال. كان مكاناً هادئاً، في عمق الصحراء. لا يشوّه طبيعته أي مصباح، ولا يزعج خدرته أي ضجيج. منذ أجيال لا تعد ولا تحصى، عشنا منعزلين خلف أسوارنا المصنوعة من طين وقش، بعيدين عن العالم وبهائمه المقزّزة، مكتفين بما وضع الله في صحوننا، حامدين إياه على المولود الجديد الذي يرزقنا به وكذا على القريب الذي يأخذه منا. كنا فقراء، متواضعين، ولكننا كنا هانئين. إلى غاية اليوم الذي اغتصِبت فيه ألفتنا، ونبِشت فيه مقدساتنا، وجرجِرت كرامتنا في الوحل والدم... إلى غاية اليوم الذي، في حدائق بابل، جاء أنذال مدجَّجون بالمتفجرات والأغلال ليعلِّموا الشعراء أن يكونوا رجالاً أحراراً...

Pages