قراءة كتاب أشباح الجحيم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أشباح الجحيم

أشباح الجحيم

رواية "أشباح الجحيم" للروائي الجزائري المعروف بياسمينة خضرا، ترجمها إلى العربية د. محمد ساري، وصدرت عن دار الفارابي عام 2007:

تقييمك:
3
Average: 3 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 10

- في رأيي، إنك ستنتظر طويلاً. تاكسي خالد معطّل، والحافلة لم تعد تمر من هنا منذ أن كادت طائرة مروحية أن تدمرها في الطريق منذ حوالى شهر.
استرجع الأطفال كرتهم؛ رجعوا بخطوات منتصرة. لاحظ الحدّاد:
- لم يذهب بعيداً مفسد العرس.
- إن سمنته لا تسمح له بالذهاب بعيداً.
عاد الفريقان إلى الانتشار ثانية في الملعب، كل فريق في جهته، واستأنفت المقابلة من لحظة توقفها. مباشرة، ارتفعت الصيحات، فاضطر كلب هرم إلى الانسحاب.
وبما أنني كنت بلا شغل، اتخذت مكاناً على قطعة أجور وتابعت المباراة باهتمام.
في نهاية المقابلة، انتبهت إلى أن الحدّاد ومساعده قد اختفيا، وأن الورشة مغلقة. الآن، قلّت حرارة الشمس. نهضت واتجهت عبر الزقاق المؤدي إلى المسجد.
كان محل الحلاقة غاصاً بالناس. إنه الموعد الأسبوعي المألوف لشيوخ كفر كرم، يوم الجمعة بعد الصلاة، يأتون لمشاهدة أحدهم يسلّم رأسه لمقص الحلاق، شخص ضخم الجثة، ملفوف بمئزر الجزّارين. سابقاً، كانت النقاشات عقيمة، تدور على نفسها. ذلك لأن رجال صدام ساهرون. بسبب كلمة واحدة لا يستسيغونها، تهجّر العائلة بأكملها؛ فكانت مدافن الجثث والمقاصل تنبت في كل مكان. ولكن، منذ أن فوجئ الطاغوت في مخبئ جرذ وسجن بمخبئ آخر، انحلت الألسنة، واكتشف بطَّالو كفر كرم أنهم يملكون فصاحة مذهلة... هذا الصباح، عند الحلاق، اجتمع حكماء القرية - وإذا كان بعض الشبان يقفون بالقرب منهم، فلأن النقاش يعد بالكثير. تعرفت إلى جابِر، الملقب بـ"الدوك"، سبعيني متذمّر دوماً، درّس الفلسفة لمدة عشريتين في ثانوية بالبصرة قبل أن يسجن ويقضي ثلاث سنوات في زنازن البعثيين بسبب مسألة اشتقاق لغوي غامض. وعند خروجه من غياهب السجن، منع من التدريس على كامل التراب العراقي، زيادة إلى المراقبة الشديدة التي سلّطتها عليه المخابرات. فهم الدوك جابر أن حياته على شفا حفرة من الهاوية، فالتحق بمسقط رأسه والتزم الصمت إلى غاية تفكيك تماثيل الرئيس الطاغية في الساحات العمومية. كان يبدو في جلابيته الزرقاء النظيفة مهيباً، مما يمنح له مظهراً كهنوتياً. إلى جانبه، جلس باشر الصقر، منكمشاً على مقعد، يتحدث دون انقطاع؛ إنه قاطع طرق سابق طاف المنطقة على رأس عصابة مخيفة قبل أن يلجأ إلى كفر كرم، بغنيمته كوسيلة للتملّق. لم يكن من أفراد القبيلة، ولكن القدماء فضلوا منحه الضيافة عوض تعرضهم لغاراته. في الجهة المقابلة، وسط عصبتهم الصامتة، يجلس الأخوان عصام وشيخان سقيمان ولكنهما خطيران، يحاولان تحطيم حجج هؤلاء وأولئك؛ إنهما يمارسان مبدأ المناقضة بشراسة، ومستعدان للتخلي عن أفكارهما التي دافعا عنها بالأمس إذا اعتنقها حليف غير مرغوب فيه. ثمّ، وقوراً في زاويته، منعزلاً كي يظهر أكثر، يجلس العميد على كرسيه المصنوع من السَوْخر، والذي يحمله له مناصروه أينما حلّ، السبحة المهيبة في اليد، وفي الأخرى غليون نرجيلته. إنه لا يتدخل أبداً في النقاش ويترك لنفسه الكلمة الأخيرة؛ لا يتحمل أن تسرق منه كلمة الختام. قال عصام 2، مُشهداً محيطه القريب على صواب رأيه:
- على كل، لقد خلّصونا من صدام.
قال الصقر مغمغماً:
- لم نطلب منهم شيئاً.
قال عصام 1:
- ومن يستطع فعله؟
قال أخوه:
- هذا صحيح. من كان بإمكانه أن يبصق على الأرض دون أن يعرِّض نفسه لرعود السماء، دون أن يوقَّف في الحين بحجة إهانة الرئيس ويشنق في أعلى رافعة؟
قال الصقر بازدراء:
- إذا نجح صدام في إذلالنا، فبسبب خياناتنا الكبيرة والصغيرة. إن الشعوب ليس لها إلّا الملوك التي تستحقها.
قال شيخ مرتجف على يمينه:
- لست موافقاً معك.

Pages