You are here

قراءة كتاب ميلاد الذكاء عند الطفل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ميلاد الذكاء عند الطفل

ميلاد الذكاء عند الطفل

هذا الكتاب خصص لدراسة ميلاد الذكاء عند الطفل لذلك نجده يحتوى على مختلف مظاهر الذكاء الحسى الحركى كما يحتوى على أفكار رئيسية لاسيما ما يتعلق منها بتكوين الصور الإجمالية الحسية الحركية وعملية التمثيل العقلى والتى هى من أساسيات الذكاء الفكرى للطفل حيث هناك ما

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

2. العناصر الوظيفية الثابتة والمقولات العقلية

تنحصر المشكلة الآن فى معرفة هذا الأمر، وهو كيف تستطيع هذه العناصر الوظيفية الثابتة أن تحدد مقولات العقل، أو بعبارة أخرى كيف تستطيع تحديد هذه الأشكال الكبرى للنشاط العقلى التى نجدها فى جميع مراحل النمو العقلى، والتى سنحاول وصف تراكيبها الأولى التى تتبلور فى الذكاء الحسى الحركى.

هذا إلى أن الامر ليس بصدد إرجاع الوظائف السامية إلى الوظائف الدنيا، فإن تاريخ العلوم يبين لنا أن كل مجهود قياسى يراد به تقرير نوع من الاتصال بين علم وعلم آخر لا يفضى إلى إرجاع العلم الأرقى إلى العلم الأقل رقيا؛ بل ينتهى إلى إيجاد علاقة متبادلة بين هذين العلمين، لكن دون أن تقضى هذه العلاقة بحال ما على أصالة العلم الأكثر رقياً. وعلى هذا النحو لا يمكن بحال ما أن تؤدى العلاقات- التى ربما وجدت بين الذكاء والتركيب البيولوجى- إلى الحط من قيمة العقل بحال ما؛ بل تؤدى على خلاف ذلك إلى مد نطاق معنى التكيف البيولوجى (الحيوى). ومن جانب آخر لسنا فى حاجة إلى القول بأن المقولات العقلية إذا وجدت على هيئة جرثومة فطرية فى الوظائف البيولوجية فإنها لا توجد بحال ما فى هذه الوظائف على أنها تراكيب شعورية، أو حتى على أنها تراكيب غير شعورية. فإذا كان التكيف البيولوجى نوعا من المعرفة المادية للبيئة التى تحيط بالكائن، فمن الواجب أن تنشأ فيما بعد عدة تراكيب حتى تؤدى هذه العملية الحيوية المحضة إلى نوع من التصورات الشعورية التى تتصل بالمعرفة. وقد سبق أن قلنا إنه من الواجب ألا نتوقع العثور على المعانى العقلية فى بدء نمو الذكاء بل فى نهايته، وهى تلك المعانى التى تكشف لنا حقيقة عن الطريقة التى يتبعها الذكاء لتأدية وظيفته فى حد ذاتها، وذلك على عكس التراكيب المبدئية التى يمكن القول على نحو ما بأنها تظل على سطح الكائن العضوى والبيئة المحيطة به، والتى لا تعبر إلا عن العلاقات السطحية المتبادلة بين هذا الكائن وتلك البيئة. غير أننا متى أردنا تبسيط تحليل المراحل الدنيا – وهو التحليل الذى سنحاول القيام به فى هذا الكتاب- استطعنا أن نبين كيف تؤدى العناصر البيولوجية الثابتة التى أشرنا إليها منذ قليل إلى نوع من التركيب الوظيفى الفطرى للعقل. وذلك بعد أن يفكر فيها الشعور، ويعمل على إعدادها فى أثناء المراحل الكبرى للنمو العقلى.

وفيما يلى الجدول الذى يبدو لنا إمكان الحصول عليه بهذه الطريقة:

إن المقولات التى ترتبط بوظيفة التنظيم تؤلف ما يمكن أن نسميه مع "هوفدنج" باسم "المقولات الأساسية" أو المنظمة، ومعنى ذلك أنها تتألف مع جميع المقولات الأخرى، وتوجد فى كل عملية نفسية. ويبدو لنا أنه يمكن تعريف هذه المقولات من جهة الاستقرار (Statique) بأنها معانى الوحدة التامة (totalite) والعلاقة؛ وبمعانى المثال الأعلى (ideal) والقيمة (valeur) من جهة التطور (dynamiqre).

أما فكرة "الوحدة التامة" فتعبر عن العلاقة المتبادلة التى ينطوى عليها كل تركيب، سواء أكان خاصاً بالذكاء أم بالحياة العضوية. وحتى إذا بدا لنا أن ضروب السلوك والشعور تظهر فجأة على نحو أبعد ما يكون عن الاتساق فى أثناء الأسابيع الأولى من الحياة فإنها تعد امتدادا لتركيب فسيولوجى سابق لها؛ ثم تتبلور فى الوهلة الأولى على هيئة مجموعات نرى أن الاتساق فيها يصبح أكثر دقة شيئاً فشيئاً. فمثلا ليست فكرة "مجموعات تغيير الأمكنة" - وهى فكرة جوهرية فى تكوين المكان- سوى فكرة الوحدة العضوية التامة التى تتجلى فى الحركات الجسمية. وكذلك نرى على وجه العموم أن الصور الإجمالية الخاصة بالذكاء الحسى الحركى تخضع منذ الوهلة الأولى لقانون الوحدة التامة فى ذاتها، وفيما بينهاز وكذا الأمر فى كل علاقة سببية فإنها تحول العناصر غير المنسقة إلى مجموعة منتظمة وهلم جرا.

وليست الفكرة المتممة لفكرة الوحدة التامة سوى فكرة العلاقة كما بين ذلك "هوفدنج" بوضوح. فالعلاقة فى الحقيقة مقولة أساسية، وذلك باعتبار أنها توجد فى كل نشاط نفسى، وتتألف مع جميع المعانى الأخرى. ويرجع السبب فى ذلك إلى أن كل وحدة تامة هى مجموعة من العلاقات، كما أن إحدى العلاقات تعد جزءاً من الوحدة التامة. وعلى هذا الاعتبار تظهر العلاقة بمجرد أن تظهر ضروب النشاط الفسيولوجى بمعنى الكلمة، حتى توجد فى جميع مستويات هذا النشاط. فإن أبسط الإدراكات الحسية (كما بين ذلك كوهلر فيما يتعلق بإدراك الألوان لدى الدجاج) يتوقف بعضها على بعض، وهى تتألف فى الوقت نفسه على هيئات وحدات تامة منظمة. وليس من المجدى أن نلح فى بيان الظواهر المماثلة التى نجدها فى التفكير النظرى.

أما مقولنا المثال الأعلى والقيمة فإنهما تعبران عن نفس الوظيفة، وإن كان ذلك فى مظهرها الديناميكى، وسنطلق اسم "المثال الأعلى" على كل مجموعة من القيم التى تؤلف كلا (قائماً بذاته)، وإذن فسنطلق هذا الاسم على كل هدف نهائى للأفعال والقيم، أى على القيم الخاصة التى تتصل بهذا "الكل" أو الوسائل التى تسمح بتحقيق هذا الهدف. وإذن فالصلات بين المثال الأعلى والقيمة هى نفس الصلات التى توجد بين الوحدة التامة والعلاقة. ولكن ليست جميع أنواع المثل العليا أو القيمة إلا وحدات تامة فى طريق نشأتها، وذلك لأن القيمة ليست إلا تعبيرا عن قابلية الشئ لأن يكون مرغوباً فيه فى جميع المستويات. فإمكان الرغبة فى الشئ هو فى الواقع علامة على وجود اختلال فى التوازن أو على وجود "وحدة تامة" لم تكتمل بعد، وما زال ينقصها عنصر ما لكى تتم نشأتها، فتتجه نحو هذا العنصر حتى تحقق توازنها. وإذن فالعلاقات بين المثال الأعلى والقيم هى من نفس النوع الذى يوجد بين الوحدة التامة وأجزائها. وذلك أمر بديهى لأن المثال الأعلى ليس إلا صورة للتوازن الذى لم يتحقق بعد بين الوحدات التامة الحقيقية، ولأن القيم ليست سوى العلاقات بين الوسائل والغايات التى تتوقف على مجموعة هذه الوحدات التامة. وعلى هذا النحو يستطيع المرء أن يتصور الغائية (Finalite)، لا على أنها مقولة خاصة؛ بل على أنها ترجمة ذاتية لعملية إعادة التوازن. وهذه العملية نفسها لا تتضمن فكرة الغائية، وإنما تتضمن فقط التفرقة العامة بين ضروب التوازن الواقعية والتوازن المثالى. وهناك مثال جيد هو مثال معايير الاتساق والوحدة، وهى تلك المعايير الخاصة بالتفكير المنطقى، والتى تعبر عن هذا المجهود الدائم لإقرار التوازن بين الوحدات العقلية التامة. وإذن فهذه المعايير تحدد لنا التوازن المثالى الذى لا يدركه الذكاء مطلقا، وهى توجه القيم الخاصة التى تحدد الحكم (المنطقى) وهذا هو السبب فى أننا نطلق اسم "الوظيفة المنظمة" على العمليات الخاصة بالوحدة التامة وبالقيم، وذلك على عكس وظيفة التفسير ووظيفة التضمن.

Pages