You are here

قراءة كتاب تأملات في السياسة والمجتمع السوداني - (مقالات في الأزمات السياسيـة والقضايا الاجتماعية)

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تأملات في السياسة والمجتمع السوداني - (مقالات في الأزمات السياسيـة والقضايا الاجتماعية)

تأملات في السياسة والمجتمع السوداني - (مقالات في الأزمات السياسيـة والقضايا الاجتماعية)

كتاب " تأملات في السياسة والمجتمع السوداني - (مقالات في الأزمات السياسيـة والقضايا الاجتماعية) " ، تأليف عبده مختار ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 9

(4) ثـورة التعليم الكمي والتدهور النوعي

كتبت إحدى طالبات تمهيدي ماجستير في كراسة الامتحان جملة تقول: "يسعى الغرب إلى طمث الهوية الإسلامية"! طبعاً تقصد (طمس). هذا هو جيل اليوم من الطلبة، جيل السُّـلَّم التعليمي الجديد وجيل المنهج الجديد وصل إلى مرحلة الجامعة.

وكانت النتيجة هي أنه جيل لا يميز بين القاف والغين، وبين السين والثاء، وبين الذال والزين (ذ# ز). ولا يعرف أين يضع الهمزات ومتى لا يضعها، ولا يميز بين الهاء المربوطة والتاء المربوطة، ويخلط بين الياء المعرّجة (ي) والألف المقصورة (ى)، فيكتب أو يطبع على الحاسوب (الي) بدلاً عن (إلى)، و (علي) بدلاً عن (على).. وهكذا. وكثيراً ما أجد في الكراس عبارة (هذا ملقي يا أستاز)! لاحظوا الخطأ في الكلمتين. أما عن النحو فحدِّث ولا حرج..

جاءت "ثورة التعليم العالي" بالتأصيل مما يعني التركيز على الدين الإسلامي أو "الأسلمة" – وهذا لا اعتراض عليه – وتعريب المناهج في الجامعات، فكانت النتيجة أننا فقدنا اللغتين، العربية والإنكليزية، حيث تدهورت اللغة العربية وتدمرت الإنجليزية بينما هي لغة العصر والعلم والعولمة والتكنولوجيا!! الغريب في الأمر أن دول الخليج كانت تستعين بالسودانيين في الترجمة وفي التدريس. الآن مستوى اللغة الإنجليزية عندهم تطور جداً لأنهم أدركوا أهمية اللغة الإنجليزية ولم يتعاملوا مع الأمر بحساسية، بل تعاملوا بواقعية.

أما نحن فقد تعاملنا مع الإنجليزية وكأنها ضد التأصيل أو تعوق الأسلمة. على العكس إذا أردت أن تنشر رسالتك وتنشر الدعوة في العالم اليوم تجد أن اللغة الإنجليزية هي الأداة الفاعلة لذلك. وأن خطابك لا يصل للرأي العام العالمي بصورة مؤثرة إلا من خلال إنجليزية جيدة حتى لا يُساء فهمك ويساء تفسير رسالتك أو يتم الخلط في المفاهيم والمصطلحات (مثل أصولية وتأصيل، وجهاد وإرهاب...).

في مؤتمر في دولة غربية كبيرة حضر سفيرنا وشارك في النقاش وقدم مداخلات بإنجليزية ضعيفة، وانتهى بنا الأمر الآن أن استأجرت الحكومة (أو على وشك أن تستأجر) خبيراً أمريكيا للدفاع عن موقف السودان في عملية رفع العقوبات عنه وذلك بمبلغ (20) ألف دولار في الشهر! طبعا هذا المستشار سوف يكون ذكيا – ومن خلال عمليات تسويف ومماطلة - يعمل على استمرار العقوبات حتى لا تنضب هذه (القطّارة الشهرية)! هذا فشل في الدبلوماسية وفشل في الخطاب وفي اللغة..

لا أزعم أن ثورة التعليم فشلت بصورة مطلقة لكنها كانت ثورة في اتجاه الكم فقط، فأثّـرت سلبا على النوع. كما أن (تسييس) التعليم أضر بمستواه حتى الدراسات العليا، وقد كتب كاتب عن "بروفيسرات الإنقاذ" (وفي ذلك لي مقال آخر إن شاء الله).

نعم، إنها إنجاز مقدر وطفرة كبيرة أن يتصاعد عدد المدارس ويتضاعف عدد الجامعات إلى عشرة أضعاف. لكن تأثر مستوى التعليم الجامعي وكأنها ثورة (تدمير نوعي) حيث كان التركيز على الكم، كما أثر في المستوى إلغاء نظام الإعاشة للطلبة وتشتيت الداخليات، وعدم توافر المراجع باللغة العربية وانتشار نظام (المذكرات) الذي جعل الطالب لا يستعين بالمراجع فأصبح (سطحياً).

وتأثر التعليم العام بنظام السلم الجديد (إلغاء عام) وتحويل الابتدائية إلى ثمان سنوات بدمج الثانوية العامة مع الابتدائي في ما يُعرف بـ (الأساس). وتأثر بضعف المنهج الجديد وعدم توافر المعلم المؤهل/المدرب، وتدهورت البيئة المدرسية وأصبح التعليم الجيد هو للقادرين فقط.

أستطيع أن أدعي بأنني خبير في التعليم، فقد عملتُ بعد تخرجي معلماً للّغة الإنجليزية في المرحلة الثانوية لمدة عامين ثم صحافيا ثم أستاذا جامعيا. وفي خلال تدريسي (عام 1984) قدمتُ تقريراً لوزارة التربية والتعليم فيه قييم (ناقد) لمقرر اللغة الإنجليزية آنذاك (النايل كورس) وقد تم تغييره لاحقا بإدخال (اسباين). وقد أشاد كبير الموجهين التربويين بالتقرير (كان بريطاني الجنسية) كما شاركتُ في تصحيح الشهادة السودانية (مجموعة الإنشاء composition). وبين هذا وذاك ظللتُ أتابع الدروس مع أبنائي من الروضة حتى الثانوي.

فتوصلتُ إلى ملاحظة ضعف المقرر وسوء المنهج وضعف المعلم وتدهور المستوى، وأن ثورة التعليم (الكمي) تحتاج إلى تصحيح المسار، إلى ثورة كيفية أو نوعية. وقد سمعتُ أن هناك مؤتمرا للتعليم سوف يُعقـد في هذا الشهر، مع ملاحظة أن بعض الولايات نظمت مؤتمراتها قبل أيام. أتمنى أن يكون ضمن ما يقوم به هذا المؤتمر هو: أولاً، إعادة السنة المفقودة؛ ثانياً: تخفيض هذا الكم الهائل من المواد الجديدة التي في أغلبها (حشو وبمسميات غريبة) يشكل ضغطا على التلميذ ويفقده التركيز؛ ثالثاً: إعادة النظر في نظام الثمان سنوات للأساس وقد كتب الكثيرون عن سلبيات هذا النظام؛ رابعاً: إعادة النظر في المنهج نفسه وفي معايير اختيار المعلم وتدريبه؛ خامساً: أن يطالب المؤتمر بزيادة الميزانية المخصصة للتعليم حتى تعود البيئة المدرسية لسابق عهدها من معامل ومكتبات ومناشط وتوافر معينات العملية التدريسية.

وعلى مستوى الجامعة نأمل في عدم تسييس الوظائف المهمة بأن يتم اختيار رئيس القسم وعميد الكلية عن طريق الانتخاب (أظن جامعة النيلين طبقت هذا التقليد). وطبعاً سوف أكون خيالياً لو طالبتُ بانتخاب مدير الجامعة الذي يتم تعيينه بقرار جمهوري ويتم ذلك بناء على توصية لا تخلو تسييس طبعا.

استناداً إلى مستوى جامعة الخرطوم (في الماضي) أقترح لإعادة مكانتها أن يتم إستثائها من مسألة التعريب وتقليص عدد الطلبة المقبولين وإرجاع داخلياتها لها بحيث تتحول إلى جامعة قومية وجامعة (أم) ونموذج وتكون مرجعية لكل الجامعات في البحث العلمي والتدريب وتأهيل الأساتذة والاستشارات... أي أن يكون فيها التركيز على الكيف أو النوعية – وليس الكم. وأن يكون التوسع فيها رأسياً (الدراسات العليا) وأن يخضع طلبة السنة الأولى لكورس في اللغة الإنجليزية بعد أن تدهورت هذه اللغة في المستويات الدنيا. هذا سوف يمكنها من أن تعود لمكانتها ويعود ارتباطها بالجامعات العالمية وتبادل الأساتذة والاستفادة من التطورات المختلفة في كل ضروب العلم والمعرفة وتعريبه لبقية الجامعات.

لقد آن الأوان أن تقوم الحكومة بإعادة النظر في مستوى التعليم بإعادة تقييم النظام التعليمي على مستوى التعليم العام والجامعي. أقترح تشكيل لجنة علمية لعمل دراسة تقترح الحلول المناسبة لإنقاذ التعليم.

أما مستوى التعليم فوق الجامعي، حتى الدكتوراة، ومستوى البحث العلمي فلي فيه وقفة في المقال القادم إن شاء الله.

السوداني: 12/12/2011

Pages