كتاب " فلسفة الأخلاق بين أرسطو ومسكوية " ، تأليف د. ناجي التكريتي ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
You are here
قراءة كتاب فلسفة الأخلاق بين أرسطو ومسكوية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

فلسفة الأخلاق بين أرسطو ومسكوية
الفضيلة
يميز أرسطو بين نوعين من الفضيلة، أحدهما عقلي والآخر أخلاقي، الفضيلة العقلية، تنتج وتنمو من التعليم والتجربة والزمان، أما الفضيلة الأخلاقية، فإنها تتولد من العادة والشيم.
الفضائل الأخلاقية لا توجد بالطبع، ولكن الطبع يتقبلها والعادة تنميها وتثبتها، الفضائل الخلقية إذن تكون بالممارسة، الحال نفسه ينطبق على جميع الفنون، لأننا لا يمكن فعل الشيء إلا بعد تعلمه ثم تمارسه، الإنسان يصير معماراً بأن يبني ويصير موسيقياً بأن يمارس الموسيقى، يصير المرء عادلاً بإقامة العدل، وحكيماً بمزاولة الحكمة، وشجاعاً باستعمال الشجاعة.
أن هذا ينطبق في السياسة فيما يخص الممارسة، أن الحكومة الطيبة تحاول أن تصيّر الأهالي فضلاء بتعويدهم، وذلك بالإرادة الجازمة والممارسة الدائمة، أما الحكومة الخبيثة فهي لا تؤدي هذه المهمة، وهي مخطئة في العرض والقصد معاً.
يلح أرسطو على أن الفضيلة تتكون وتتطور بالممارسة، الناحية السلبية هي الأخرى يصدق فيها القول، بأن الذي لا يواصل الممارسة يفشل أو يقصر في بلوغ الفضيلة.
أرسطو يعطي الأمثلة بالفنون المختلفة، فإنه يقول أن الفنان كلما واصل التمرين في فنه أبدع أكثر، وتحسن أداءه، وإذا اتماهل يكون نتاجه رديئاً، أنه يقول أن المعمار إذا أحسن البناء فهو معمار طيب، وإذا أساء البناء فهو رديء.
لا بأس من الإشارة إلى أن الفن يكوّنه الاستعداد الطبيعي وتنميه الممارسة، أن الموهبة تفرز في جبلة الإنسان بالطبع، وإن الإنسان يدرك نوع الموهبة، التي تدفعه إلى الرسم أو الشعر أو الموسيقي أو النحت، أرسطو يغفل هذه الحقيقة الطبيعية، ويعطي الأهمية للعادة والرياضة، ينس أرسطو أو يجهل، أن القريحة أولاً، ثم يأتي دور الممارسة والتمرين في طريق كل إبداع فني.
المهم أن أرسطو يعطي أهمية كبيرة للممارسة في الأفعال الأخلاقية، أنه يقول أننا نكسب الفضائل أو الرذائل من جراء العادة ومواصلة السلوك في اتجاه معين من الناس من يتبعون شهواتهم فيكونون مفرطين وغير معتدلين، ومنهم من يلتزمون ويزمون أنفسهم، فيكونون معتدلين حلماء.
أرسطو لا يرتضي أن يكون علم الأخلاق نظرياً فحسب، بل أن العلم يراد لأجل العمل وأن على الأخلاق هدفه أن يصيرنا فضلاء، لا بد من إتباع العقل في العمل، ليكون تصرفنا تصرفاً أخلاقياً وكي نكتسب ملكاتنا الحميدة.
أرسطو يؤكد على الوسط بالأفعال من دون إفراط ولا تفريط، يضرب أرسطو مثلاً بقوة البدن والصحة، فهو يقول أن الشدة في التمرينات البدنية أو التفريط فيهما، فكلاهما يؤدي بالقوة على السواء، كثرة الأطعمة أو قلتها تفسد الصحة وأن التوسط في تناول الطعام يوجد الصحة ويديهما.
ينتقل أرسطو بعد ذلك إلى ضرب الأمثلة بالفضائل الأخلاقية، حين يقول أن العفة والشجاعة وجميع الفضائل الأخرى تكون بالتوسط والاعتدال وتنعدم بالإفراط أو التفريط بالنسبة للشجاعة، فإن الإنسان المقدام هو شجاع، غير أن الذي يقتحم الأخطار دون تفكير هو متهور، والذي لا يحتمل شيئاً فهو جبان، بالنسبة للعفة، فإن الذي ينغمس في اللذات فهو شره، والذي يمتنع تماماً فهو جامد، أما الذي يتمتع بالذات بمقدار ما يمليه العقل فهو عفيف.
يعرف مسكوية الفضيلة بأنها وسط بين رذائل، أنه في الوقت نفسه يقول أن الوسط صعب، وأن التمسك به بعد وجوده أصعب، يذكر مسكوية بعد ذلك أن الفضائل تتم بالاجتماع، لأن الإنسان مدني بالطبع.
الإنسان إذن محتاج إلى الحياة المدنية كي يمارس الفضيلة، وتتم له السعادة الإنسانية، أن الإنسان بالطبع يحتاج إلى غيره، وأنه مضطر إلى معاشرتهم العشرة الجميلة ومحبتهم المحبة الصادقة لأن إنسانيته تتم بهذه المخالطة وهذا الاجتماع.
مسكوية بعد ذلك يحمل حملة عنيفة على الذين يفضلون التفرد والتخلي عن الناس، ولاسيما أولئك الذين يلازمون المغارات في الجبال، أو السياحة في البلدان دون هدف، مسكوية يؤكد أن العفة والنجدة والسخاء والعدالة تظهر بالمخالطة في المدن.
يقول مسكوية أن الفضائل أفعال، وهذه الأفعال تظهر عند مشاركة الناس ومساكنتهم والتعامل معهم في مختلف ضروب الاجتماعات، أن الفضائل يتعلمها الناس من خلال المخالطة، ليصل بها إلى السعادة.
أرسطو يؤيد أستاذه أفلاطون في الرأي، بحيث ينبغي علينا منذ الطفولة أن نوجه أنفسنا، بحسب مسراتنا وآلامنا، أن الفضيلة تظهر بأفعالنا، فإن الإنسان الذي يمتنع عن لذات الجسم فهو معتدل عفيف، وهكذا فإن الفضيلة الأخلاقية تتعلق باللذات والآلام.
إن ملكات النفس تفسد باللذة والألم، حين تصيرها إلى أحسن أو أقبح، أن ذلك يكون حين يتجاوز الإنسان فيه ذلك، ولا الطريقة التي حصلت بها، مما يسهل على العقل تصورها وتمييزها، فالفضيلة هي ما يصرف أمرنا تلقاء اللذات والآلام بحيث يكون سلوكنا أحسن ما يمكن أما الرذيلة فهي ضد ذلك.
توجد ثلاثة أشياء في رأي أرسطو تطلب، وتوجد ثلاثة أشياء تجتنب، المطلوبات: هي الخير والنافع والملائم، أما التي يجب تجنبها، فهي: الشر والضار وغير الملائم، إن الرجل الفاضل هو الذي يسلك سلوكاً حسناً ويتبع الطريق المستقيم، أما الشرير فهو الذي يرتكب الخطايا.
اللذة أحساس عام لجميع الكائنات الحية، أكثر من هذا، فإن اللذة منذ طفولتنا غذيت بوجه ما وشبت معنا، إن اللذة والألم هما اللتان تنظمان سلوكنا، كثيراً أم قليلاً، إن الذي يحسن استعمال هذين الإحساسين يكون خيراً، أما الشرير فهو الذي يسيء استعمالها.
الإنسان يكون فاضلاً حين يأتي أعمال الفضيلة، بعد هذا يلزم ثلاثة شروط، هي العلم والإرادة والثبات، لأن الإنسان يحصل على الفضيلة بالممارسة والتكرار، الإنسان الذي يريد أن يكون عادلاً يمارس العدل، والذي يريد أن يكون عفيفاً أن يمارس الاعتدال.
نلاحظ هنا أن أرسطو يضع العلم بالعمل، وهي نظرية أفلاطونية، طالما انتقدها أرسطو، أرسطو يقول أن على الفاعل أن يعلم ما يفعل، أرسطو يستأنف رأيه فيقول في الفنون يجب أن نضع حساباً للعلم بما نعمل، أما في الفضيلة فإن العلم هو قليل القيمة.
يقرر أرسطو أن الفضائل والرذائل ليسا انفعالات أننا لا نمدح الإنسان أو نذمه بسبب انفعالاته، بل يكون ذلك بقدر ما يخص فضائله ورذائله، أننا لا نصف الشخص بأنه فاضل أو شرير بسبب انفعاله.
فضيلة الإنسان هي تلك الكيفية الأخلاقية التي تصيره إنساناً صالحاً، أي تعمل منه رجلاً خيراً، يعرف كيف يؤدي عمله الخاص به، بعد هذا، يحد أرسطو الفضيلة بالوسط، بلا إفراط ولا تفريط.