قراءة كتاب خذ حصتك من القتل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
خذ حصتك من القتل

خذ حصتك من القتل

كتاب " خذ حصتك من القتل " ، تأليف نصري الصايغ ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 9

I ـ طنين الذباب

يقال: مَللنا الحكاية. يكفينا ما فينا. الجحيم وطن ونحن مواطنوه. ليس في هذه الأمة مكان لسماء ضئيلة. سماواتنا إسفلت ودم. ليلنا كليل امرئ القيس، وبطيء الكواكب كليل النابغة الذبياني.

ويقال: ما لنا ولهذا الماضي؟ فلنترك الموتى يدفنون موتاهم. لا طاقة لنا على سماع الحكاية.

لو أن هذا القول سليم، لعفينا أنفسنا من المناسبة. «صبرا وشاتيلا» لم تُرْوَ بعد. لم تكتب بعد. لم يُحاكم أحد فيها بعد، والعقاب، أنزل فقط بالشهداء الأموات ومن تبقى منهم على قيد الحياة... ليس بين كتبنا إلا قلة نادرة. الذين كتبوا عن «صبرا وشاتيلا»، أجانب ويهود.

أمنون كابليوك، روبرت فيسك، جان جينيه... مَن مِنَّا غير تلك المرأة المؤسسة، بيان نويهض الحوت؟

إذاً، لا بد من الرواية، ولو على عكازة جان جينيه، أو عبر عدسة كابليوك، وشهادة فيسك، وموسوعة الحوت.

أول الشهود، كانوا من تبقى. إلى جانب جان جينيه. دليله إلى المخيم، موت يشير بإصبعه إلى النهايات. قادته الرائحة إلى الأزقة. لا صوت أبداً. وحده الذباب كان يحتفل بمائدة الأجساد. صوت الذباب، نعيق يطن في الأزقة.

تقع عينا جينيه على ثياب ليست على مقاس أجساد ترتديها. إنها ضيقة جداً. مزروكة جداً. الأجساد فائضة عنها. لها رائحة يشتهيها الذباب فقط. للتراب، آنذاك، في صبرا وشاتيلا، رائحة عفن ودم وتخثر أعضاء. إنها الرائحة. ولا شيء سواها. الأجساد تشبه ضوضاء بلا أصوات. لا شك أنها فكرت بالهرب. أو أنها هربت بالفعل، ولكنها وصلت إلى الطلقة، أو إلى حافة البلطة، ووقعت على وجهها. أجساد، لا يخطر في بال أحد أن تكون شبيهة بالجياد الميتة، التي سقطت على بطونها عندما عزت عليها القوائم وانطفأت ذؤابات العيون. لا يخطر في بال أحد، أن تسد الحارات والأزقة بالجثث، وأن الممرات صارت مكبّات لأطفال ونساء ورجال وعجائز، يتمرغون في طنين الذباب.

Pages