كتاب " كهرمانة عصر النساء " ، تأليف د.
You are here
قراءة كتاب كهرمانة عصر النساء
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
كهرمانة عصر النساء
شعور روتيني كسيح قد طُرّز بوشاح التأخير ألبسني إياه الموظف عندما قال لي:ستنتهي معاملتك في تمام الواحد ظهرا. لملمت بعضي خجلا من أعين الناس التي تحدق في شبّاكه الصغير وهو يرطن(روح تعال باجر.. تعال بالوحدة.. روح بعد اسبوعين) وانا فخور بوشاح الروتين كما هم فخورين الى جنبي.عقرب الساعة انتصب ولدغني بوقته مشيرا الى تمام العاشرة صباحا وانا اتنزه وسط حديقة الدائرة الجميلة بتماثيلها الكونكريتية التي حجبت الشمس قاصدا الباب..هاربا من سجن الروتين راميا بوشاحه جانبا وخرجت..زحام كثيف (سيارات، حواجز كونكريتية، عربات الباعة) أثقل كاهلي وانا انحني واميل يمينا ويسارا كما لو كنت سيارة في سباق الرالي للتخلص من الفوضى..سارت بي قدماي الى حيث لا ادري،الى اللاوعي وفي مسمعي تدوي كلمات أمي (انتبه-الطريق خطر-الدنيا ليست أمينة) وامام مرآة عيني تعرض مسرحية الطعام الشهي والماء البارد،وفي اثناء اللاوعي تصفعني حرارة الشمس المتدلية تارة ويصطدم بي احدهم تارة أخرى..احشاء امعائي بدأت تتصارع مع بعضها جوعا وعطشا لاقرر الذهاب تحقيقا لرغبتها..خطوات كهلة اخطوها بتباطىء وعجز ثقيل واذا بمسرح الف ليلة وليلة يفتح أمامي وعرض الجرار تقدمه كهرمانة،فجأة انتابني شعور غريب والزمن في داخلي على الفور امتطى دابته راجعا الى عصور كنا قد قرأنا فيها ما قرأنا واذا بخيول تتصاهل واصوات ممتطيها تطرق أبواب اذني وبصوت واحد انتظر انتظر.. لحن الانتظار وباصوات جشة ارعبني كثيرا واذا بهم وخيولهم يحاصرونني لانتصب تمثالا كانتصاب شجرة السنديان تحت الهجير اللاهث بجنب كهرمانة،وعقلي يقلب حافظة الزمن..ترجل احدهم متجها نحوي وعلى مضض من خوفي ينزع لثامه واذا به علي بابا واصحابه الاربعين حرامي..بدهشة واستغراب ومن دون دراية مني قبلت التاريخ الذي كتب على جبينه وسألته عن شهرزاد وشهريار وسندباد وابي نؤاس،فاجابني بلوعة التحسر:انهم بخير ولكن التراب غطى كلماتهم ودثرها.
-كيف
- انك لم تحب كهرمانة تاريخيا بل لارواء ظمأك المعطش من جرارها
- ولكننا نشهد لكم تاريخكم في بغداد ونقرأ عنكم على الدوام
- صولاتنا وصهيل خيولنا لم تعد ترعب آلاتهم المدمرة وانتم منها على يقين
تكلمنا..تحاججنا..تباحثنا..حاججته..حاججني..واخيرا انتفض بوجهي متألما وهو يقول:لابد ان تحب اجدادك وتفخر بهم وها هو تاريخك يمتثل أمامك فعليك الحفاظ عليه خذ الماء منها وتذكرهم جميعا.. السلامة معك.
فجأة كما هي الفجأة الاولى يسدل ستار المسرح وينتهي العرض والجمهور يصفق والزمن يمتطي وقته مرة أخرى وانا بذهول أمام كهرمانة.. زحام كثيف ملء الشارع ومنبهات السيارات باصابعها تشير اليّ-انت مجنون انت عاشق
بخجل مني -انا آسف آسف..
تقدمت اكثر ونظرت الى جرارها الاربعين وهنّ قد امتلأن من ماء سندباد وشعر أبي تمام وكرم حاتم الطائي،وهي ما زالت حدباء منحنية تشكو سجنها التاريخي الذي كلفها بصب الماء..سألتها بلهفة ممزوجة بالآسى:هل رأيت ابا نؤاس
صوت دافء على الرغم من حرارة الشمس المحرقة وبهدوء تام
- شارع ابي نؤاس ليس هنا،بل في الجهة المقابلة
استدرت الى المتحدثة واذا هي فتاة قد عبرت الشارع مثلي نحوها وسمعت سؤالي لتمثال اصم نصب منذ عقود فاسعفتني بالاجابة
- قلت لها: شكرا لك ولكن هذا ليس سؤالي
- ماذا اذن
- لا عليك شكرا شكرا