You are here

قراءة كتاب أساليب تدريس قواعد اللغة العربية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أساليب تدريس قواعد اللغة العربية

أساليب تدريس قواعد اللغة العربية

كتاب " أساليب تدريس قواعد اللغة العربية " ، تأليف د.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: دار المناهج
الصفحة رقم: 8

وظيفة اللغة بالنسبة إلى الفرد والمجتمع وبناء الحضارة الإنسانية

تعد اللغة من الوسائل التي تربط بين الأفراد والجماعات والشعوب، فيها يتم تنظيم المجتمع الإنساني. ودرست اللغة في ضوء الحياة الاجتماعية عند نشوء المدرسة اللغوية في أوائل القرن العشرين، إذ أكد (لويس) صاحب كتاب (اللغة والمجتمع) تغلغل اللغة في كل شؤوننا العامة والخاصة. ورأى أن هناك قوتين تؤثران في اكتساب الطفل للغة، فالأولى تدفعه وتلقي به في أحضان المجتمع الذي ينتمي إليه كي يصير عضوا فيه متحسسا ومعاونا أفراده وتسمى بالقوة الجاذبة أما القوة الثانية فتسمى بالطاردة غذ تمنعه من ذلك المجتمع ليحتفظ بكيانه الشخصي واستقلاله. ولهاتين القوتين التأثير نفسه في الشعوب، فالأولى تجعل الشعوب مجتمعا إنسانياً مترابطا، والثانية تدفع كل شعب لأن يحتفظ بكيانه واستقلاله، ولكن الغلبة للأولى التي تجعل من الأفراد مجتمعا واحدا، ومن الشعوب مجتمعا إنسانياً عالمياً. ورأى (لويس) أيضا أن اللغة تؤدي وظيفتين بالنسبة إلى الفرد والمجتمع فالأولى بمثابة العملة التي تحقق أغراضهم وتقضي حوائجهم اليومية، والثانية تنفيسية يلجؤون إليها عند الكلام لذات الكلام كالحديث التلفوني، والتحية، وقد ترقى إلى الآثار الأدبية لتعبر عن الجمال والتأثير في قلوب الآخرين ونفوسهم.

وقرر لويس أن الإنسان في المجتمع الحديث لا يتوقف اكتسابه للغة إلا بانتهاء الحياة، فاللغة في نمو وتطور وذلك لشيوع الوسائل التي تعمل على هذا النمو والتطور، ومن بينها الإذاعة والسينما والصحف، فضلا عن سهولة الاتصال بين المجتمعات. فالقادة وجدوا في اللغة الوسيلة الأساسية في استمالة ميول الناس وأحاسيسهم، وخير منظم لشؤون الدولة الكثيرة.

وفي هذا الصدد أصرّ (ماكس مولر) على أن وظيفة الكلمات لا تقوم بنقل الأفكار نقلا مجرداً، وإنما وظيفتها التأثير في أفكار الآخرين، وبذا تصبح اللغة أداة لنقل الأفكار. فنقاد علم النفس من السلوكيين، ونقاد المنطق من المنطقيين الإيجابيين، وكذلك طلاب ما وراء الطبيعة قد بعثوا اليوم مذهب (ماكس مولر) الذي يمكن أن يعبر عنه يكون "الأفكار لغة". وهناك الكثير ممن يذهب إلى القول بأن الكثير من المسائل الظاهرة في طبيعة التفكير ليس في الحقيقة أكثر من مسائل لغوية، ويوافقون على أن المنطق وما وراء الطبيعة وحتى الرياضيات في جوهرها بنية اجتماعية ذات طبيعة لغوية في أساسها.

واللغة على الإطلاق هي أقوى عوامل الوحدة والتضامن بين أهلها، حتى لقد ذهب العالم اللغوي (إدوارد سابير) إلى أن اللغة هي على الأرجح أعظم القوى التي تجعل من الفرد كائنا اجتماعياً". وقال الفيلسوف (فشتة) في بيان اللغة من اثر بالغ في تطور الشعوب: ”إن اللغة تلازم الفرد في حياته، وتمتد إلى أعماق كيانه، وتبلغ إلى أخفى رغباته وخطراته، أنها تجعل من الأمة الناطقة بها كلا متراصا خاضعا لقوانين، إنها الرابطة الوحيدة الحقيقية بين عالم الأجسام وعالم الأذهان“.

وللغة دور رئيس في التواصل بين البشر، إذ إنها تقع في بؤرة الأحداث الإنسانية، فيها انتقلت المعارف والاكتشافات والاختراعات الخاصة بالأجيال السابقة، وكذلك الآداب التي أنتجتها الثقافات المختلفة منذ فجر التاريخ على شكل شعر أو قصص أو أساطير، وباللغة ندير شؤوننا اليومية الصغيرة والعظيمة.

نرى أن كل الأمم تبذل جهودها القصوى في تعليم لغاتها، لما للغة من أهمية كبيرة في حياة المجتمعات والأفراد. فيها يعبر الفرد عن مشاعره وعواطفه وأحاسيسه، وما يدور في ذهنه من أفكار. وبهذا يتجلى الفرق بين الإنسان وغيره من الأحياء الأخرى. فاللغة تعد الحياة البشرية بسمة المشاركة والمبادلة في العواطف والأحاسيس. وبها يتمكن الإنسان من الوصول إلى بني جنسه عند تلبية حاجاته وتنفيذ رغباته في المجتمع الذي يعيش فيه.

واللغة ثمرة من ثمرات التفكير والإنساني للسيطرة على البيئة التي يعيش فيها المرء، فالتجريد والإدراك والتحليل والاستنتاج عمليات فكرية يقوم بها العقل الإنساني بوساطة اللغة. فالتفكير لا يتم دون استخدام الألفاظ الدوال على المعاني التي تنشأ في الذهن ”فحد اللغة هي كل لفظ وضع لمعنى، واللغات عبارة عن الألفاظ الموضوعة للمعاني، والتفكير كلام نفسي، والكلام تفكير جهري. وكل فكرة لا تتجلى في ألفاظ لا تعد فكرة“. واللغة وسيلة لنقل التراث من الجيل السابق إلى الجيل اللاحق، وتحتفظ بمكونات ذلك التراث بما فيه التقاليد الاجتماعية، ولولا اللغة لما عرفنا شيئا عن حياة الأجداد وأخلاقهم ونتاجهم. وكلما ارتقت الأمم كثر اعتمادها على اللغة، ودليل ذلك كثرة الصحف والكتب والمؤلفات التي تتميز بها الأمم الراقية من الأمم المختلفة. فاللغة عامل قوي في تسهيل عمليات التفاعل الاجتماعي بين الناس، كما أنها وسيلة للدعاية تعتمد عليها الفئات السياسية والفلسفية والمذهبية في جذب الآخرين للإيمان بمبادئها وأفكارها، كما أنها حجة قوية وراسخة لتأييد تلك الآراء، ودحض حجج الخصوم.

”واللغة أداة من أدوات الحياة العامة، وأنها لا تقوم بواجبها ما لم تؤد غرضها فيها، ولا تبلغ منزلتها الحقيقية لدى أهلها ما لم تعنهم فيما هم فيه وعليه. والتلميذ واحد من هؤلاء الأهل لا يمكن أن يحسّ بأهمية اللغة، ولا يمكن أن يحسن تناولها ما لم تقدم إليه على أنها جزء من الحياة لا يستغني عنه في أمور من الحاجات الآنية من أكل وشرب، أو في أمور من حاجات الفن والإبداع“.

Pages