You are here

قراءة كتاب ذهب مع الريح

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ذهب مع الريح

ذهب مع الريح

لكل شعب عاداته وتقاليده، ولكل أمة من سلوكها ما اعتادت، والكاتب والأديب، والشاعر والفنّان على حدٍّ سواء ينهضون لإبراز هذه التقاليد والعادات لشعوبهم وأممهم التي نشؤوا وترعرعوا فيها، وبدورهم هذا يطلعون الشعوب الأخرى على ثقافاتهم وفهمهم للحياة.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
 
المقدمة
 
لكل شعب عاداته وتقاليده، ولكل أمة من سلوكها ما اعتادت، والكاتب والأديب، والشاعر والفنّان على حدٍّ سواء ينهضون لإبراز هذه التقاليد والعادات لشعوبهم وأممهم التي نشؤوا وترعرعوا فيها، وبدورهم هذا يطلعون الشعوب الأخرى على ثقافاتهم وفهمهم للحياة.
 
وحين ينهض مثقفو الشعوب الأخرى لقراءة فهمهم للحياة وثقافتهم، والاطلاع على منجزاتهم؛ فإنهم لا يجدون صعوبة في فهمها؛ فكل ذلك من صنع الإنسانية، وفكرها الذي أخذ يتطور عبر العصور، لكن الصراع بين الأجناس البشرية قائم ما دامت هذه الأرض، ولم يدعُ الإنسان إلى وقف الحرب بين شعب ما، أو طائفة ما، أو بين الشعوب كلها، إلا بعد أن جرّب هذه الحرب وخبرها، وذاق الويلات والنكبات التي تجرها عليه، فهب العقلاء من أبناء الجنس البشريّ ليقفوا في وجه الحروب والنزاعات، فبثوا أفكارهم حول ذلك قصصًا وروايات تبرز بعمق هذه الفكرة.
 
وكان لمارجريت ميتشل رأي في الحرب، بما تجره من ويلات وفقر وأمراض وجوع، تلك هي سُنّة الحرب، فاقتطفت صراعًا واحدًا في القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة الأمريكية، ألا وهو الصراع والحرب الطاحنة التي دارت بين ولايات الجنوب مثل ولايتي جورجيا وأتلانتا، وولايات الشمال، وأظهرت لنا مدى الخلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين، الذي ما نزال نشهد آثاره ماثلة إلى يومنا هذا؛ فالانتخابات الأمريكية للوصول إلى البيت الأبيض تشهد تنافسًا محمومًا بين الجمهوريين والديمقراطيين.
 
وإذا كان ثمة وصف للحرب، فإنما يجب وصفها بالريح العاصف التي تدمر كل شيء تأتي عليه إن وقف في وجهها، وإن استسلم لها حملته في طريقها من مكانه لتدعه في مكان آخر بعد أن تذهب حدتها، إن كل ما بناه الإنسان وشيده لا يمكن أن يحافظ عليه إلى الأبد، لكن قد يحتفظ به أطول مدة من الزمان إذا أسسه على بنيان متين، وإذا أراد أن يدافع عنه فلا بد له من أن يعد العدة الصالحة لذلك، وأن يتحلى بالعزم والثبات، وعليه أن يعرف قدرة المعتدي وإمكانياته، حتى يستطيع أن يواجهه، وإلا خسر كل شيء وذهبت جهوده أدراج الرياح، وتلاشى وهذا ما حصل مع ولايات الجنوب في حربها ضد الشمال، فسقطت وخضعت؛ لأن رجالها اعتمدوا على إمكانيات ولاياتهم الضئيلة، التي كانت تفخر بها وتظنها شيئًا كثيرًا، بالإضافة إلى أنها كانت تراهن على صمود الجنود وصبرهم وعزمهم، ولم تحسب للجوع والعري والقتل والموت أي حساب، فكانت النتيجة أن سقطت الولايات الجنوبية في هذه الحرب الضروس وخضعت لولايات الشمال؛ فولايات الشمال سيطرت على كل شيء وضربت حصارًا عليها قصم ظهرها وأخضعها، وخسرت ما خسرته من منشآتها وأراضيها ومصانعها، وفقدت من فقدتهم من شبابها ورجالها ونسائها وأطفالها؛ فالحرب ليست نزهة وتنقضي، وهي ليست معركة واحدة تحتدم ثم لا تلبث أن تنتهي.
 
ولاية جورجيا الجنوبية بكل ما فيها من عادات وتقاليد، وما فيها من مقاطعات وأراضٍ زراعية اشتعلت واحترقت وتبعتها ولاية أتلانتا وغيرها من الولايات، حاول أهلها الدفاع عنها لكن دون جدوى، فلم تكن ثروة القطن وحدها كافية لانتصارها، والصمود في وجه الولايات الشمالية، بل ذهبت كل مظاهرها الحضارية مع الريح، وسيطر عليها أهل الشمال، وكثر اللصوص والمحتكرون والجواسيس.
 
خضعت هذه الولايات، وكان لا بد من أن تتمازج بالشمال الذي قهرها، لكن أهل الولايات الجنوبية مع خضوعهم ظلوا يبغضون المحتل، ويحلمون باليوم الذي يخرج فيه من أراضيهم، وإن مبعث هذا الحقد وهذه الكراهية كان الفساد الذي عاثه الشماليون ( اليانكي ) في الجنوب من حرق وسلب ونهب وهدم واحتلال وقتل، بعيد عن كل صور الإنسانية.
 
ولكن الذي دعا الشماليين إلى وقف الهدم والحرق والسلب في بعض المناطق هو وجود بعض الشماليين فيها، سواء أكانوا رجالاً أم نساءً.
 
ولما قبل الجنوبيون بالأمر الواقع، بدأت عمليات الاندماج مشوبة بالكراهية التي حملها الجنوبيون لهم، وكان لابد من ذلك حتى تسير عجلة الحياة، وتعود النهضة من جديد في نظرة مستقبلية عساهم ينفضون عن أنفسهم غبار الحروب والاحتلال ويعيدون الكرة من جديد.
 
كل شيء ذهب مع الريح، لكن لن تستمر هذه الريح في قوتها، وستهدأ بعد حين.

Pages