كتاب " الإستطلاع ودوره في التاريخ العربي الإسلامي لغاية 23هـ ـ 645م " ، تأليف د.
قراءة كتاب الإستطلاع ودوره في التاريخ العربي الإسلامي لغاية 23هـ ـ 645م
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الإستطلاع ودوره في التاريخ العربي الإسلامي لغاية 23هـ ـ 645م
الاكتشافات الجغرافية والاستطلاع
تعد الاكتشافات الجغرافية من الأنشطة الاستطلاعية اذ أن المكتشفين الجغرافيين بجهودهم التي يبذلونها في أغراض منها اكتشاف مناطق جديدة من الكرة الأرضية والإحاطة بطبيعة التضاريس بما فيها من جبال ووديان وأنهار وبحار وصحارى وغيرها. وما يتعلق بأحوال السكان وظروف بيئاتهم المختلفة. وكانت رحلاتهم الجغرافية مليئة بالمغامرات ومحفوفة بالمخاطر لعدم تيسر الاتصالات آنذاك بينهم وبين قواعد انطلاقهم، ومن هؤلاء الجغرافي الشهير الادريسي([94]). نشأ محمد بن محمد بن عبد الله الادريسي في أصحاب (روجار) الفرنجي صاحب صقلية وهو روجار الثاني (Rojer II).
وكان الادريسي من كبار الجغرافيين العالميين معروفاً برسمه لخارطة العالم القديم. فضلاً عن ذلك كان الادريسي أديباً وشاعراً وظف شعره في خدمة الجغرافية، وهذه بعض الأبيات من شعره يصف رحلاته ومغامراته الجغرافية:
ليت شعري اين قبري
ضاع في الغربة عمري
لم ادع للعين ما تشتاق
في برِ وبحري
لم اجد جاراً ولا داراً
كما في طي صدري
فكأني لم أسر إلا
بميت أو بقفر([95])
ومن الجغرافيين المشهورين أبن بطوطة([96]) المعروف بالرحلات الكثيرة التي قام بها، وظل يجوب أقطار الأرض، منذ أن كان في سن الثانية والعشرين حتى أشرف على الخمسين. وقد زار خلال رحلاته معظم أجزاء العالم القديم المعروف آنذاك ما عدا القسم الأوربي، مما حقق له تفوقاً على جميع رحالة القرون الوسطى.
ولا يكاد يدانيه في اتساع رحلاته سوى (ماركو بولو) الرحالة البندقي المشهور. وقد قطع في رحلاته نحو مئة وخمسة وسبعين ألف ميل والتي تساوي مئتين وثمانين ألف كيلو متر. وقد ساح في جزيرة العرب شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً فزار نجداً والحجاز والبحرين وعمان وحضرموت واليمن وطاف في أرجاء العراق ومصر وبلاد الشام وأقطار المغرب العربي وساحل أفريقيا الشرقي وتجول في بلاد فارس والأناضول وأواسط آسيا وتركستان والحوض الادنى لنهر الفولغا. وكاد يشد الرحال إلى سيبريا لولا اعتقاده بقلة الجدوى من ذلك. ثم اتجه إلى أقطار الشرق الاقصى، فأقام في بلاد الهند زمناً ثم تجول في الساحل الجنوبي الغربي للهند. ومكث ما ينيف على عام ونصف في جزر المالديف. ثم تنقل بين جزر الهند الشرقية، وزار الملايو ورحل إلى جنوب الصين. ولما عاد إلى موطنه بعد غيبة قاربت الثلاثين عاماً، حن إلى السفر ثانيةً فقام برحلة قصيرة إلى الاندلس. ولم يكد يستقر في فاس بعض الوقت حتى عبر الصحراء الكبرى متجهاً إلى السودان. وقد امتاز ابن بطوطة عن بقية الرحالة بإدلائه أحكاماً عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لكل بلد مر به، عن خبرة ومعرفة([97]).
نستنتج مما ذكر آنفاً أن ما قام به الرحالة أبن بطوطة يقدم مثلاً عملياً على تنفيذ الاستطلاع الاستراتيجي لما غطته رحلاته من بقاع واسعة في مشارق الأرض ومغاربها. ولابد من تثمين هذا الجهد الاستثنائي عالياً إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار المدة التي استغرقتها رحلاته وما توصل إليه من معلومات ثمينة ولو أننا لا تتوافر لدينا تفاصيل عن الوسائل التي استعمالها في أسفاره وعن مرافقيه الذين شاركوه في هذه الرحلات لتسهيل مهمته في تحقيق هذا الإنجاز العظيم. ومن جملة الصعوبات المحتملة هي كيفية معرفته بتلك البلدان من اذ الطوبوغرافيا وأحوال السكان والتي تعتمد أساساً على إلمام عميق بلغات تلك الأقوام.
ومن الجغرافيين المشهورين عالمياً هو (كريستوف كولومبس) مكتشف أمريكا. هو من أعظم رجال البحرية. ولد سنة 1451م وتوفي سنة 1506م. ان كريستوف كولومبس لم يكن يهدف من رحلته أن يبرهن أن الأرض كروية، ولا كان يريد اكتشاف أمريكا، بل كان يحاول بكل سهولة أن يجد طريقاً بحرياً قصيراً للوصول إلى بلاد الهند. كان كولومبس يتوقع أنه لو سار مسافة أربعة آلاف وأربعمئة كيلو متر غرباً بمحاذاة جزر كاناري للوصول إلى الجزر اليابانية فلربما عدَّه سكانها الاصليين رئيساً لهم واتخذوه زعيماً. لقد قدر كولومبس خطأ حجم الكرة الأرضية وعرض المحيط الأطلسي. لقد بدأ رحلته من إسبانيا في الثالث من آب عام 1492، وبعد تسعة أيام وصل جزر الكناري، وثم اتجه غرباً. وفي العاشر من تشرين الأول من السنة نفسها وافق طاقمه على مواصلة الإبحار لمدة ثلاثة أيام.. وبعد ثمان وأربعين ساعة رست سفنهم على ساحل خليج (فرناندس) وبذلك أصبح كولومبس مالكاً لعالم جديد. لكنه اعتقد أن ذلك المكان هو جزيرة من الجزر الهندية القريبة من اليابان أو الصين. لقد عرف الناس خلال ثلاثين سنة أن كولومبس كان على خطأ من اذ اعتقاده أنه وصل اليابان أو الصين بينما هو قد اكتشف قارة جديدة هي أمريكا وهي ما عرف فيما بعد بالعالم الجديد([98]).
إن رحلة كريستوف كولومبس هي مثل فريد من نوعه عن مكتشف يكتشف قارة كبيرة بالصدفة. بالنسبة له كان يريد أن يجد طريقاً قصيرة للوصول إلى الهند فوجد نفسه فجأة في عالم جديد تطؤه قدم أجنبية لأول مرة في التاريخ. وهذا يمثل إنجازاً استطلاعياً ضخماً رغم كون المستطلع لم يكن يقصد البحث عن هذا الهدف بالذات.