You are here

قراءة كتاب انهيار الإمبراطورية الأمريكية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
انهيار الإمبراطورية الأمريكية

انهيار الإمبراطورية الأمريكية

كتاب " انهيار الإمبراطورية الأمريكية " ، تأليف د. عبد علي كاظم المعموري ، والذي صدر عن

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 7
المبحث الثاني:جذور العنف الأمريكي
 
يتشكل التصور حول خلفية أو جذور/أصول العقل الأمريكي، في ضوء المنطلقات الحاكمة التي بني عليها، والمرتكزة على ثنائية مانوية متأتية من أمة مهاجرة من عالم الشر والخطيئة إلى عالم الخير وأرض الميعاد الجديدة، فكل ما هو أمريكي أو صديق لها هو في عالم الخير، وكل ما هو معادي لأمريكا ولأصدقائها هو في عالم الشر، وهذا ساهم في تجذير ثقافة العنف وصولاً إلى الإرهاب، بحيث تحول ذلك إلى عنف بنيوي وعضوي ومؤسسي، واتخذ صفة الشمولية والديمومة من خلال المسارات التي اتخذها والتطبيقات والأفعال التي اعتمدها، مما أفضى إلى تبلور ثقافة وإيديولوجية العنف والإرهاب بالصبغة الأمريكية، التي ترسخت في هذا العقل وظلت ملازمة له على الرغم من الادعاء أن الحضارة القائمة الآن، تفصح عن علو كعب العقل الأمريكي في منظوره الإنساني، استناداً لمناداته بالحقوق والحرية والديمقراطية.
 
ومن الممكن الاستدلال على أن هناك رابطة واحدة ما انفكت يوماً، بين ما احتضنه التاريخ الإنساني من ماضي سلوكيات العنف والإرهاب الأمريكي ضد شعوب مختلفة، ابتدأ من الشعوب الأصلية التي كانت تقطن الولايات المتحدة الأمريكية، مروراً بالفلبين وهاواي وفيتنام والعراق وأفغانستان الآن، والتي توسم كل هذا التاريخ بذات النزعة القاسية واللانسانية.
 
إن العقل الأمريكي ظل يتأرجح في توصيفه للعلاقة مع البشر، في حاكمية ذات بعدين أساسيين: هما العلاقة في ظل الظروف الاعتيادية الممتدة وهنا تحكم بقانون داروني معتمد في الثقافة الأمريكية وأصول التشكل الأولى للعقل الأمريكي (البقاء للأقوى)، وما بين حد أخر وهو علاقات المصالح المتبادلة التي يعتمدها في حالة الضعف والوهن وعجزه عن حسم الصراع لصالحه لحين انتظار الفرصة المواتية لسحق الخصم ونهب ثرواته.
 
ثنائية الصراع والبقاء للأقوى مترسخة في العقل الأمريكي وتستمد معينها من الموروث الأوربي - الغربي، وبخاصة التراث الروماني ونظريات الاستعمار التي ظهرت عند إطلالة أوربا على الشرق في عهد الاستكشافات الجغرافية وما تلاها.
 
والتفسير المعتمد أن ظاهرة الداروينية - البيولوجية جرى استيعابها وقبولها من اجل تطويرها إلى ما أسموه (الداروينية الاجتماعية - Social Darwinism).
 
بيد أن الكثير من المفكرين والفلاسفة الذين هاجروا إلى أمريكا، قد اعتنقوا الداروينية الاجتماعية وعكسوها لصالح تمجيد سلوك الأمريكيين، كيما تفرز مناهج وبرامج وثقافة، تنشئ بموجبها إنسان يؤمن بالصراع والعنف واستخدام القوة لتجسيد فلسفة البقاء، فالفيلسوف جون فسك (John fiske) كتب يقول (إن الجنس الأنجلو - سكسوني هو أصلح الأجناس البشرية).
 
حتى أن السيكولوجية الفردية شحنت من فيض الثقافة التي تتغنى بالقوة وسحرها تعبيراً عن الجمال والزينة، إلى درجة نسيان مفردات الرحمة والعدل والإنسانية في المفردات اليومية للحياة، حتى هذا الفرد تغذى من خلال (الأنا) وأضحى لا يعرف نفسه إلا من خلال الأخر.
 
ووجدت المؤسسات السياسية والعسكرية ضالتها من التقديس المفرط للقوة في شرعنة السلوكيات والأفعال، مسوغةً أيديولوجيا عمليات الإبادة والقتل التي رافقت استعمار أمريكا والتوطن فيها وحروب التوسع الأمريكي، وهو التطبيق السياسي والعسكري لقانون أصل الأنواع (The Origin of Species)، الذي برر هلاك المخلوقات الضعيفة لصالح بقاء المخلوقات الأقوى.
 
بيد أن جذور نزعة التعالي التي غذت ظاهرة العنف والإرهاب في التاريخ الأمريكي، تتأتى بموجب الدستور الذي أقر عام 1787، والذي ينص على أنه (يعد العبد الأسود يساوي 3/5 من الإنسان الأبيض)، ولم يتغير هذا ليذهب إلى المساواة إزاء القانون إلا في عام 1964، من هنا فان العنصرية تعد جزءاً مكوناً من تركيبة العقل الأمريكي والشخصية الأمريكية.
 
هذه القناعات التي تم غرسها ووجدت القبول في أرض خصبة متعطشة لخليط من الرؤى اللاهوتية والسيادة على البشر والتفوق العرقي...الخ، ولهذا نلحظ أن رجالات الولايات المتحدة من قادة عسكريين ومجلس شيوخ (بفريج وهنري ك لودج وجون هاي) وحتى الرؤساء (ثيودور روزفلت)، يرون في الفكر القائم على علو كعب العنصر الانكلو - سكسوني سنداً لكل أفعالهم، إذ يشير السناتور بفريج (إن الإله لم يقم بأعداد الشعوب الناطقة بالانكليزية آلاف السنين عبثاً أو للإرادة الكسولة،لا! إنما جعلنا سادة لتنظيم العالم...حتى ندير الحكومات بين المتوحشين والشعوب الخرفة العجوز). فيما يشير روزفلت (إن الأمة التي تدرب نفسها على حياة لا تتسم بالطابع الحربي هي امة محكوم عليها بالزوال)(39).
 
فما هو ملاحظ أن المجتمع الأمريكي حقق الكثير من التقدم في شتى الميادين، ومنها القيم الجمالية والذرائعية ومظاهر الذوق العام والتعامل الإداري، ولكنه عجز تماماً عن بناء مبادئ أخلاقية تتناسب مع مستوى التطور، ومع المستوى الذي تريده أمريكا من علاقتها بالعالم كدولة قائدة، ويعلل البعض من الكتاب (هاري شوفيلد) ذلك أن فقر المجتمع الأمريكي للقيم الإنسانية هو منسجم مع التطور التاريخي للولايات المتحدة الأمريكية، ففي أيام التوسع نحو غرب القارة الأمريكية، لم يكن هناك ما يلائم الاحتكام القيم المثالية الأخلاقية، فما كان يحكم واقع الأمريكي آنذاك، بناءً على نمط التغذية الفكرية ومحددات السلوك الذي بموجبه تمت هجرة الأوربيين إلى أمريكا هو (إما قاتلاً أو مقتولاً)(40) وعندئذ غابت الرحمة والإحساس الإنساني.
 
وعندما لا تتوافر أية معطيات أخلاقية حاكمة لأسس أية دولة قابضة بقوة على اكبر ترسانة عسكرية في الكون، بل أنها الوحيدة القادرة على تدميره (17) مرة، فأنها تحول عنفها وقناعتها بالقوة والتفوق، والحلم بقيادة العالم، إلى غيبيات وما ورائيات من أنها مكفولة برضا الرب وموكول لها تنفيذ أرادته في الأرض كونها شعب مختار وموسوم بالعناية الإلهية، لهذا لابد من أن يجري مد كل تلكم الذرائعية والتزييفية، إلى جعلها أيديولوجية إرهابية ترتكز على معطيات شتى للتبرير الإرهابي الذي تعتمده، مرة بالتفوق ومرة بالشرعية الدولية وأخرى بالحفاظ على السلم العالمي.
 
ولا تعترف الولايات المتحدة الأمريكية أبداً أنها تمارس إرهاباً بعلاقاتها مع شعوب العالم، فلو قتلت ملايين البشر، فأنها تدعي الحفاظ على الأمن القومي الأمريكي والدفاع عن نمط وحضارة الشعب والأمة الأمريكية، ولكن لو صرح أي مواطن في العالم الثالث بأن أمريكا تريد ابتزاز ثروات بلده، أو أنه يعترض على استغلال الشركات لإمكاناته، يعد أضراراً بالمصالح الأمريكية المقدسة، وبهذا يقع تحت طائلة الإرهاب، وبهذا لا توجد معارضة ولا مقاومة، وتسقط الأخلاق الديمقراطية التي تدعي بها الولايات المتحدة، والتي تبرر الاختلاف والمعارضة، وبهذا فأن الإرهاب من وجهة النظر الأمريكية ربما يذهب حتى لمن يختلف معها، حتى لو كان الرئيس الفرنسي.
 
وعليه ظلت أمريكا تصنع منذ انتهاء الحرب الباردة أنموذجات من أشكال وهمية للإرهاب وللأعداء على حد سواء، وعلى وفق هذا ضاع على المجتمعات وعلى المتخصصين من توصيف جامع مانع للإرهاب يتم التوافق عليه بين بلدان العالم، فما هو متاح أن هناك أكثر من (108)تعريف للإرهاب(41)، وهذا ما نتج عنه تسييل مفهوم الإرهاب حتى يكون بمقدور أمريكا التفلت من التحديد، وكذلك التوصيف على وفق حاجتها لتصنيع عدو موهوم، ولإغراض توضح انحياز قيمي وأيديولوجي وسياسي، وكسلاح دعائي يراد منه تشويه جهة أو حركة أو دولة ما بغية تبرير الإجراءات الانتقامية ضدها (42).
 
هذا لم يكن جديداً على الذهنية الأمريكية التي نهلت من معين المهاجرين المركبة من أطروحات لاهوتية وأخرى ميتافيزيقية وعقد نفسية...الخ، لهذا كان مستوى العنف والإرهاب الذي تعرضت له المجتمعات والشعوب التي طالها الاستيطان الأوربي والقائم على فكرة استئصالية، تقوم على استبدال الشعب الحقيقي بشعب مهاجر جديد وثقافة بمجموعة ثقافات، من خلال متغير العنف وتحت ذرائع غير أخلاقية وغير واقعية، جرى اقتباس أفكارها وتعاليمها من أفكار تلمودية وأخرى جرى التلاعب بها، في محاولة لإسقاط فكرة الاختيار على المهاجرين إلى الولايات المتحدة، وإلى إلباس ثوب التقديس عليهم، وهي مزاوجة تجمع بين فكرة التقديس والاختيار عند (أرسطو) والاختيار التوراتي، فعدوا أنفسهم شعباً مختاراً وعرقاً متفوقاً وبشراً متحضراً، متقمصين الدور التاريخي للعبرانيين في اجتياح أرض كنعان.
 
ولهذا استمد المستوطنين فكرة وعملية إبادة شعوب وأمم الهنود الحمر (السكان الأصليين)، على وفق الأطروحة السابقة من أنهم عبرانيون فضلهم الله على العالمين وأعطاهم تفويضاً بالقتل، لأن أرضهم هي (أرض كنعان الجديدة - إسرائيل - أرض الميعاد الجديدة - إسرائيل الله الجديدة)، وهم الحجاج - القديسين، أو المبشرين، هؤلاء ارسوا الثوابت الخمسة التي رافقت التاريخ الأمريكي، الذي سجل أطول وأكبر حملة للإبادة في التاريخ الإنساني، وممتدة من بليموث إلى بابل، هذه الثوابت هي (43):
 
1- المعنى الإسرائيلي لأمريكا
 
2- عقيدة الاختيار الإلهي والتفوق العرقي والثقافي
 
3- الدور الخلاصي للعالم
 
4- حتمية وقدرية التوسع اللانهائي
 
5- حق التضحية بالآخرين
 
لم يحمل التاريخ الأمريكي حتى المدرسي منه أية أشارة إلى همجية المستوطنين (تلذذ الإباء المؤسسين) بالمذابح التي ارتكبت، حتى أنها تعد الهولوكست الأول والحقيقي والذي تلاه هولوكوست فيتنام وأخيراً هولوكوست العراق.
 
ولابد من الإشارة إلى أن للولايات المتحدة الأمريكية الفضل في اختراع ألطف تطهير عرقي على وجه الأرض، إذ تم القضاء على أربعمائة شعب وقبيلة وأمة تنتشر على مساحة أكبر من مساحة أوربا بنصف مليون ميل مربع، وعدتها الثقافة الأمريكية مأساة غير مقصودة أولا متعمدة، (لم يكن تجنبها ممكناً، أضرار هامشية تواكب انتشار الحضارة، خسائر على طريق الحياة الجديدة)، وهي تعبيرات تماثل ما يطلق الآن في العراق من عبارات من مثل (إعمال غير قتالية - نيران صديقة)، هذه العبارات التي تقتبسها أمريكا من قاموسها، عبارات تحمل ضبابية وتزييف وتزوير للحقائق.
 
هؤلاء الذين قضت عليهم حضارة القديسين والحجاج والآباء المؤسسين لأمريكا، يبلغ تعدادهم (18.5) مليون، لم يبقى منهم إلا (100) ألف هندي أحمر في مطلع القرن العشرين(44)، إن تاريخ الولايات المتحدة مليء بالمآسي، تتناقض أحداثه مع كل ما تنقله وسائل الأعلام أو الذي يٌعرف عنها، فقد تمت إبادة قبائل وشعوب (السكان الأصليين) في هذا البلد، الأوتاوا (Otawas) والمينغو (Mingo) والمايامي (LenniLenapes)، والشيروكي (Cherokee)، والشوكتو (Chocotow)، والشيكاسو (Chickasow)، والكريك (Creek)، والسيمينول (Seminole)، ولم تصبح تلكم الجرائم جزءً من الضمير.
 
فقد أطلق الهنود على أبي الجمهورية الأمريكية الأعظم جورج واشنطن لقب (هدام المدن)، فقد تم تدمير (28 مدينة من أصل (30) مدينة خلال خمسة سنوات، بناءً على أوامر جورج واشنطن.ففي عام 1828 حاول عالم الأحياء الفرنسي جان لوي برلاندييه، تدقيق ما أشارت له بعثة لاسال عام 1678، التي لاحظت وجود (52) أمة هندية، أبيدت منها خلال القرن والنصف بحدود(48) أمة هندية، لم يلحظ برلاندييه أي وجود لها
 
حتى أن الأوبئة التي جاءت خفيةً مع سفن المستوطنين، ووصلت سراً إلى شواطئ العالم الجديد، ثم تسللت إلى أرواح الهنود الحمر في قراهم ومدنهم كانت قضاءً وقدراً، وهو تبرير ذرائعي غير منطقي، فيما يرى بعضاً منهم، هذه الأوبئة نعمة أرسلها الله لتطهير الأرض التي أعطاها لشعبه، وهي تشبه معجزة الأوبئة العشرة التي فتكت بالمصريين في زمن موسى، حتى أن حاكم مستعمرة بليموث يرى في نشر هذه الأوبئة بين الهنود عمل يدخل السرور في قلب الله، ويشير إلى أن (950) من كل ألف يموت من جراء هذه الأوبئة.
 
وفي عام 1828 حاول عالم الأحياء الفرنسي جان لوي برلاندييه، تدقيق ما أشارت له بعثة لاسال عام 1678، التي لاحظت وجود 52 امة هندية، أبيدت منها خلال القرن والنصف بحدود 48 امة هندية، لم يلحظ برلاندييه أي وجود لها
 
ويبدو أن المستوطنين عملوا بوصية أرسطوفان (السعوا أول من ترونه واستمدوا حياتكم من موته)، واستنسخوا (العقلية القيامية)، هذه التي حكمت جنون أثينا بالدينونة والمحاكمات والقتل بالسموم، إذ استخدم القديسين/الحجاج (93) حرباً جرثومية ضد السكان الأصليين لغرض أبادتهم، فقد أبادوا شعوب الهنود الحمر الأصليين، بالجراثيم من مثل الجدري والطاعون والتيفوئيد والخناق والملاريا، وفي زمن الحضارة الفائقة مارسوا الإبادة بذات الروحية والعقلية، فقد أبادوا قرى كاملة في فيتنام بغاز الخردل في فيتنام، وسيبدون شعب كامل باليورانيوم المنضب والفسفور الأبيض في العراق.
 
ورحلة الدموع (Trail of Tears) التي سيق لها الهنود لأكثر من (600) كيلو متر عبر أراضي شديدة الوعورة من شرق المسيسبي إلى غربه، عبر ولاية تنسي، كنتاكي، إليونز، ميسوري، ليموت الكثير منهم أطفال نساء شيوخ، ثم أردفت بعد ثلاثين سنة برحلة أخرى سميت المسيرة الطويلةThe Long Walk)، لترحيل ما تبقى من القبائل (Navajo) من أريزونا إلى نيومكسيكو، ولأكثر من أربعمائة كيلومتر خلال شهر الشتاء القارص.
 
لقد علق أبي الجمهورية الأمريكية الأعظم جورج واشنطن على الأضرار التي تركها إبادة الهنود وطردهم من بلادهم، إذ قال (إن طرد الهنود من أوطانهم بقوة السلاح لا يختلف عن طرد الوحوش المفترسة من غاباتها)، وفي لقاء جمعه مع أحد زعماء الهنود عام 1792 والذي قال لواشنطن (عندما يذكر اسمك تلتفت نساؤنا وراهن مذعورات، وتشحب وجوههن، وأطفالنا يتلببون بأعناق أمهاتهم من الخوف)، وهذا الأمر لم يقف عند واشنطن فحسب، بل أن الآباء المؤسسين جميعهم ساروا على خطاه حتى توماس جيفرسون (رسول الحرية الأمريكية) وكاتب وثيقة الاستقلال يبلغ وزير دفاعه أن يواجه الهنود الذين يقاومون التوسع بالبلطة، وأن لا يضعها حتى يفنيهم أو يسوقهم إلى ما وراء الميسيسيبي.
 
إلا أن هذا لم يشبع الرغبة السادية والمتوحشة في التعامل مع السكان الأصليين، بل ذهب إلى أسلوب أكثر همجية وهو ما يشكل وصمة العار التي لا يمكن للأمريكان التعليق عليها، بل لا يتوافر أي كتاب يتحدث عن سلوك القديسين مع الشعب الهندي، إذ رصدت السلطات الأمريكية في المستعمرات مكافأة لمن يقتل هندياً ويأتي برأسه، ثم اكتفت في مرحلة لاحقة بفروة رأسه، وكانت هذه المكافأة تختلف من فترة إلى أخرى، وبحسب الجنس والعمر، حتى أضحت تجارة رائجة ومن الهدايا التي تقدم بالمناسبات.
 
لهذا شاعت عمليات السلخ وأضحت تقليداً عادياً، بل الأدهى من ذلك كله، إن عمليات القتل والسلخ صارت تقام لها احتفالية للتفرج والاستمتاع الشهواني بهذه المشاهد المثيرة، ومع تأسيس الجيش الأمريكي أصبح السلخ والتمثيل بالجثث تقليداً مؤسساتياً رسمياً، فعند استعراض الجنود إمام الرئيس الأمريكي وليم هاريسون عام 1811، تم التمثيل ببعض الجثث، وحتى الرئيس اندرو جاكسون الذي تزين صورته ورقة العشرين دولار، من عشاق التمثيل بالجثث ويأمر بحساب عدد ضحاياه بإحصاء عدد أنوفهم، وقد رعى بنفسه حفلة تمثيل بجثث (800) هندي في27 - آذار - 1814.
 
من شعارات الإبادة والذبح والسلخ التي اعتمدها الأمريكيين مع الهنود سكان البلاد الأصليين، (اقتلوا الهنود واسلخوا جلودهم لا تتركوا صغيراً ولا كبيراً فالقمل لا يفقس إلا من بيض القمل)، هذا كان شعار يردده جون شفنغتون، الذي يعد من أعظم أبطال التاريخ الأمريكي، وهناك مواقع عدة في أمريكا لتخليد ذكراه (45).
 
فيما تسامى الرئيس الأمريكي تيودور روزفلت بهذه البطولات فوصف (ساند كريك - اكبر مذبحة للهنود الحمر)، كانت عملاً أخلاقياً ومفيداً، وأن إبادة الأعراق المنحطة حتمية لا مفر منها..
 
هذا السلوك لم ينقطع حتى مع دخول العالم القرن العشرين، فقد استحضر الأمريكان في حربهم مع البلدان الأخرى كل سلوكياتهم مع الهنود الحمر، فقد صنع الأمريكان من عظام اليابانيون سكاكين لفتح الرسائل، حتى أن مجلة لايف، نشرت عام 1944 موضوعاً عن الحرب، مزيناً بصورة صبية شقراء تملؤها السعادة، إلى جانب جمجمة يابانية أرسلها إليها خطيبها من الجبهة.
 
فيما وجه الجنرال فرانكلين جنوده بأن يقتلوا كل رجل وكل امرأة وكل طفل وكل سجين أو أسير، وكل مشتبه به، ابتداءً من سن العاشرة، ويعتقد الجنود الأمريكيين، إن الفلبيني ليس أفضل كثيراً من كلبه، ويوجه فرانكلين الجنود (لا أريد أسرى، ولا أريد سجلات مكتوبة)، هذه العدوانية التي يتغذى عليها الجنود الأمريكان، لم تكن محض سلوكيات فردية، كما يزعم رامسفيلد ونائبه، بل هو برنامج وثقافة يتم إدخالها في برامج الأعداد للجنود، ففي الساعات الأخيرة من وجودهم في فيتنام، أصابت الأمريكان حمى الانتقام من الفيتناميين، فقد القوا عليها (14) مليون طن من القنابل.
 
لقد وفر القصف الجوي والقتل الالكتروني مهمة التسلي بأبناء الشعوب المقهورة في فيتنام والفلبين والعراق، ففي عام 1991 وبانسحاب الجيش العراقي من الكويت إلى العراق، فقد ارتكب الأمريكان جرائم إبادة للجنود العراقيين، حتى أن احد الطيارين علق على عمليات قتل الجنود العراقيين المنسحبين من الكويت، بأنه أشبه بصيد السمك، فنحن في البلاد المقهورة سنظل نعيش إلى زمن غير منظور تحت رحمة مافيا كولومبس، الذي أوصى باستثمار ذهب أمريكا في تحرير أورشليم.

Pages