You are here

قراءة كتاب الجيش العراقي بين خطورة السياسة وشح السلاح (1958-1921)

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الجيش العراقي بين خطورة السياسة وشح السلاح (1958-1921)

الجيش العراقي بين خطورة السياسة وشح السلاح (1958-1921)

كتاب " الجيش العراقي بين خطورة السياسة وشح السلاح (1958-1921) " ، تأليف د.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

المقدمة

جذبت الإمبراطورية العثمانية خلال أربعة قرون من الفتوحات في شرق أوروبا ومناطق آسيا العديد من الطلاب الأجانب والعرب ومنهم العراقيون للانخراط في المدارس العسكرية التركية بغية الاستفادة منهم في مواجهة الفتن والثورات المضادة والحروب المتواصلة. ولعل ما يميز النهج العثماني في قبول الطلاب، أنها فضلت أصحاب المذاهب السنية على المذاهب الأخرى لكي تتجنب المنازعات الطائفية مرة، وتوحيد الإرادة في القتال مرة أخرى، وهي لا تخلو من كونها النقيض للمذهب الصفوي الذي أراده الشاه الفارسي "إسماعيل الصفوي" في القرن السادس عشر. وليس هناك شك أن الطرفين كانت لهما نزعة قومية، تأثر بها الضباط العرب والضباط العراقيون في طموح لاستقلال بلادهم.

لم يكن العراق ومعه سائر البلاد العربية ينعم بوحدة جغرافية لها حدود مرسومة تميزهُ عن جيرانه الأتراك والفرس. وطالما لم يكن كذلك فهو أي العراق ليس لديه جيش وطني يدافع عن البقعة الجغرافية واضحة الحدود والمعالم قبل الحرب العالمية الأولى.

كان الضباط العراقيون والسوريون في الجيش العثماني على تواصل بعضهما البعض. وهم وإن اختلفوا حول الدعم المقدم من بريطانيا لثورة الحجاز بقيادة الشريف حسين وأنجاله عام 1916، إلا أنهم متفقون في النهاية بضرورة استقلال العرب، تحت شعار أنهم قوميون عرب أولاً وأخيراً. وزاد اليقين لديهم عندما وصَل الجنرال البريطاني "مود" بغداد عام 1917 وقوله أنهُ أتى محرراً لهذه الشعوب، وسمعها الضباط العرب مرة أخرى من الرئيس الأمريكي ويلسن عام 1919 وهو يدعو إلى حق تقرير مصير الشعوب.

شكلت الغارات التي نفذها ضباط عراقيون_ بمساعدة العشائر_ على معسكرات الجيش البريطاني في دير الزور والبوكمال، وتلعفر عام 1920 إنذاراً لبريطانيا بوجوب الاستجابة لمطالب الوطنيين العراقيين إنشاء حكومة وطنية. وعززها أبناء الفرات الأوسط في ثورة العشرين، وقبلها الكرد على يد الشيخ محمود الحفيد، حتى بدا المشهد العراقي موحداً في طلبه، ولكنه في التفاصيل غير ذلك، وكل انتفاضة أو ثورة إنما عبّرت عن مدلول في أن تكون مستقلة عن الأخرى. وفهمها الإنجليز في تشكيل حكومة عراقية وطنية تدار بأصابع انجليزية من خلف الستار. وللضرورات الأمنية والاقتصادية والسياسية وجدت الدولة المحتلة بريطانيا إنشاء جيش عراقي حُدد واجبهُ في مؤتمر القاهر عام 1921 أن يكون لأغراض الأمن الداخلي. وكان هو مصدر جذب للضباط العراقيين خريجي المدارس العسكرية العثمانية وقد شهد لهم الملك فيصل الأول بذلك وهم تحت قيادته خلال ثورة العرب ضد الأتراك عام 1916.

الجنرال جعفر العسكري الذي يحظى باحترام كبير بين أقرانه هو المؤسس والأب الروحي لتأسيس الجيش العراقي في (6) كانون الثاني عام 1921. ولأجل أن ينجح في مسعاه، فقد عمد إلى استقبال الضباط العراقيين الذين قاتلوا تحت لواء الجيش العربي ضد الأتراك، وكان من أبرزهم نوري السعيد، وطه الهاشمي، وياسين الهاشمي، وناجي السويدي. غير أن بريطانيا التي تردّدت في قبول البعض منهم لنزعته القومية، وجدت بالمقابل أن تكون قوات "الليفي" على قدر من القوة لضرب النزعة القومية، إذا ما تمرد الجيش يوماً طالباً الاستقلال عن بريطانيا. وهي لذلك رفضت التجنيد الإلزامي- بحجة نقص الأموال- ووضعت الملك الذي أتت به إلى العرش مكبّل اليديّن في كيفية معالجة التمردات في الشمال والجنوب تحت بند دستوري (الخارجون عن القانون). وكان الواقع الذي لم يحسبهُ البريطانيون تماماً، هو أن كل تمهل أو تردّد بريطاني لإبقاء الجيش ضعيفاً، يقابلهُ شعور قومي متحمس رافض للوجود الأجنبي، وأن الإنجليز ليسوا أكثر شرفاً من الأتراك. بل وكثيراً ما ردّد البريطانيون أن ضباط الجيش العراقي مشبعون بنزعة قومية لأنهم تخرجوا من مدارس "الأستانة".

ولاعتبارات السياسة البريطانية العليا، فقد اجتهد ساسة لندن عقد اتفاقية مع العراق سميت بمعاهدة عام 1930 وفيها أن لا سياسة ولا دفاع للعراق بدون مشورة بريطانيا. وهو مشروع لتحجيم النزعة القومية لجيش العراق، وخاصة أصحاب التيار العروبي الجارف لطرد اليهود من فلسطين. ووجدها الكرد ليس لمعارضة سياسة بريطانيا، بقدر إنشاء حكومة كردية تحت ظل الوجود البريطاني. واعتبرها الآثوريون فرصة لإثبات الذات قبل أن يقوم الجيش العراقي بقمع تمردهم عام 1933، وهو ما أغاظ بريطانيا (المسيحية)، التي نسجت مع الكردي بكر صدقي مسرحية الانقلاب العسكري للتخلص من رموز الحكومة والجيش القوميين عام 1936. وتفتح الباب لشهية الضباط المناوئين لبكر صدقي أن يعملوا بالسياسة نيابة عن السياسيين.

استثمر ضباط الجيش القوميون أحداث الحرب العالمية الثانية بالثورة ضد بريطانيا عام 1941 لتصحيح أخطاء:- نوري السعيد الذي وقّع معاهدة عام 1930 (سيئة الصيت). والتردد البريطاني في تسليح الجيش العراقي لنوايا مبيّتة. والأهم أن الوقت بات مناسباً لتحرير العراق من قبضّة بريطانيا، وتحرير سورية من قبّضة فرنسا، وطرد اليهود من فلسطين. وبفشل حكومة الكيلاني والضباط الأربعة الذين أداروا حركة مايس 1941 ضد الجيش البريطاني تحولت السياسة البريطانية معها تجاه العراق إلى ما يشبه الحاكم والمحكوم أي أن على السياسيين العراقيين استشارة السفارة البريطانية قبل الإقدام على أي عمل. أما تسليح الجيش العراقي فبات من المحرمات، وفي قاموس السياسة البريطانية أن الكيلاني والضباط الأربعة صنيعة ألمانيا. ولكن جذوّة الوطنية والقومية التي تنامت مع الاحتلال البريطاني لا يمكن إخمادها حتى في محاولات الجنرال البريطاني "رنتون" تخفيض قوة الجيش، وطرد مناصري الكيلاني من الحكومة والجيش، وتأكد أن (3/4) جيش عام 1941 أصبحوا خارج الخدمة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

Pages