قراءة كتاب أسلمة المنطق

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أسلمة المنطق

أسلمة المنطق

كتاب " أسلمة المنطق " ، تأليف عبد الكريم عنيات ، والذي صدر عن منشورات ضفاف

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 2

تمهيد إشكالي

من الأعمال الفلسفية - المنهجية المعتادة، عملية تصنيف الفيلسوف وإدخاله في الاتجاه الفلسفي الذي انبثق وتخرج منه، أو حتى المذهب الذي يسعى لبلوغه وإكماله بطريقته الخاصة. فنقول أن هذا المفكر عقلاني أو تجريبـي إذا كان الأمر يتعلق بنظرية المعرفة، ونقول عن ذاك أنه مثالي أو مادي إذا كان الموضوع مرتبطا بالمسائل الأنطولوجية. وإن بلغت منـزلة الفيلسوف درجة من الإبداع الحقيقي، فإنه يخرج من النسق ويصبح هو ذاته النسق، أي يبدع مذهبا ومنهجا لم يكن معمولا به أصلا، فيصبح محورا لحركة وإنتاج فلسفيين. لذا نجد بعض الفلاسفة أفلاطونيين أو أرسطوطاليين، والبعض الآخر من صغار الديكارتيين أو من الكانطيين الجدد...

لكن هذا التصنيف ليس من المسائل البديهية دوما، إذ نجد الكثير من الفلاسفة ذوي الفكر الأصيل ينفلتون من المقاييس النسقية المعتادة، ويمتنع عليهم فعل الانتماء. وكنموذج عن حالة من هذه الحالات في الفلسفة الإسلامية الكلاسيكية، نجد ابن رشد الذي يقول معبرا عن الصعوبة التي تنجر عن محاولة وضع الغزالي في نسق محدد ومسيج، أو في مذهب مألوف ومغلق ما يلي: ((إنه - أي الغزالي - لم يلزم مذهبا من المذاهب في كتبه، بل هو مع الأشاعرة أشعري، ومع الصوفية متصوف ومع الفلاسفة فيلسوف. وحتى أنه كما قيل:

يوما يمان إذا لقيت ذا يمن

وإن لقيت معديا فعدنان))[1]

وإن تفطن ابن رشد لهذا التمرد المذهبـي لدى حجة الإسلام أبو حامد الغزالي، فإن الذي يهم في هذا المقام هو أثر هذا الانفلات النسقي على تحديدنا لموقفه من المنطق الأرسطي. هذا الموقف المتولد من رأيه من التراث اليوناني بصورة عامة باعتباره العلم الوافد في مقابل العلم الموروث. هذا من جهة ومن جهة أخرى، فيجب علينا الانطلاق من منهج الغزالي الذي كان جذريا ومنفردا في منطلقاته كما كان فلسفيا ودينيا في غاياته. كما لا يجب أن ننسى أن بين هذه المنطلقات والأهداف، كان الغزالي معلما ومدرسا في مدرسة أقل ما يقال عنها أنها حارسة وخادمة لمعتقدات معينة ومحددة من الناحية السياسية والمذهبية.

وفيما يخص المعلم الأول أرسطو، فنحن منجرون لموافقته على اعتبار علم المنطق من انجازاته الخاصة والشخصية. وهذه المسايرة لها ما يبررها من الناحية المنهجية والمعرفية. فقد كان أرسطو كمعلم جيد على حد وصف الأستاذ "روبير بلانشي" يعترف بمصادر أفكاره وكل الفلاسفة اللذين سبقوه في إعلان موقفهم من المسائل المطروحة للبحث والتقصي. سواء فيما يخص نظرية المعرفة أو الطبيعيات والنفس والسياسة... فأهم نظرية أرسطية في الفيزيقا وهي العلل الأربعة، لم ينسب عناصرها إلا لأصحابها السابقين عليه واعترف بأنه لم يبدع أي شيء، بقدر ما قام بعملية تجميع. حيث أخذ من الأيونيين فكرة العلة المادية مثل الهواء والماء... ومن عند أمبادوقليس فكرة العلة الفاعلة، أما العلة الصورية فقد استوحاها من عند الفيثاغورسيين وأفلاطون الذي تأثر بهم. وأخيرا فقد أخذ من أناكساغوراس، هذا الفيلسوف العاقل من بين كل السكارى، فكرة العلة الغائية التي كانت تعني في الأصل عنده العقل المصمم. وقد تكفل أرسطو في كتابه الأخير المسمى لاحقا بالميتافيزيقا بإيضاح المسألة بالتفصيل[2]. أما موضوع المنطق فإننا نجد أرسطو ينكر وجود أي محاولة سابقة عليه فيقول جازما وواثقا: ((لا يوجد، حول هذه المسألة، جزء من موضوع سابقا وآخر غير موضوع، فلم يكن هناك شيء إطلاقا... إذا كان هناك أعمال قديمة كثيرة حول البيان، فالأمر خلاف ذلك بالنسبة إلى القياس العقلي إذ ليس لدينا ما نستشهد به، وكان علينا أن ننكب، ليس بدون مجهود، على أبحاث أخذت كثيرا من الوقت...))[3].

Pages