كتاب " ثقافة مجتمع الشبكة " ، تأليف د. محمد أحمد صالح ، والذي صدر عن دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
You are here
قراءة كتاب ثقافة مجتمع الشبكة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

ثقافة مجتمع الشبكة
فتصميم الإنترنت وفر عفوية رائعة أدت إلى الكثير من المرونة، حيث يمكن أن يصمم فيها أي شيء! وهنا معجزة وعبقرية الشبكة، ولكن فيها خطر عظيم! وظهر الكثير من السياسيين الذين يطالبون بعدم تمكين دخول
الأطفال على الإنترنت للتزود بالمعرفة، في الوقت الذي يمكن فيه أن يتعرضوا لصور البرنوجراف والأدب المكشوف!
وهذه قضية جوهرية، فهذه التقنية ستصبح أكثر انتشاراً في حياتنا، وستظهر تداعياتها على الأشياء التي نلبسها، والتي نراها، وفي سياراتنا! وفي كافة مجالات حياتنا اليومية، وستجلب معها تلك التقنية الصالح والطالح! فهي تحمل كلا الأمرين! فلا يمضي أسبوع دون أن نقرأ الآن أن هناك فيروساً دمر البيانات الموجودة على أقراص أجهزة الحاسب في مؤسسة ما، ويكلفنا ملايين الدولارات! وهناك إرهابيو الإنترنت، الذين يمكنهم شل وتعطيل قوة مسلحة متقدمة، عن بُعدٍ في أجزاء من الألف من الثانية! وهكذا تمكنت تنظيمات اجتماعية في الظهور في فضاء الإنترنت!
فالمشكلة أن تقنيات الإنترنت تركض أسرع من أعرافنا، وعاداتنا الاجتماعية، وتقاليدنا ومعاييرنا الأخلاقية! التي تلهث وراءها ولا تستطيع اللحاق بها! فالإنترنت توفر لنا فرصة السرية وتجهيل وإخفاء الهوية التي تشجع على السلوكيات السيئة وجعلها مجهولة! ونحن في حاجة إلى قوانين جديدة تناسب متغيرات فضاء الإنترنت.
واهتم العلم بدراسات التفاعل بين تكنولوجيات المعلوماتية والإنسان، والتي تستهدف جعل تلك التكنولوجيات أكثر فائدة وأكثر صالحية للاستعمال، وتزود المستخدمين بالتجارب التي تلائم خلفيتهم المعرفية وأهدافهم. والتحدي الآن في عصر المعلومات، ليس فقط جعل المعلومات متوافرة ومتاحة للناس في أي وقت، وفي أي مكان، وفي أيّ شكل، لكن بشكل محدّد، التحدي هو قول الحق في الوقت الملائم وبالشكل الصحيح. ومصممو أنظمة الحاسب في تفاعلها مع الإنسان يواجهون مهمة هائلة، ومرعبة في كتابة برامج الحاسب، ففي أثناء التصميم هم مطالبون بكتابة برامج تناسب الملايين من المستعملين بخصائصهم المختلفة، وفي وقت استعمال تلك البرامج يجب أن تبدو كأنها صممت خصيصاً لكل مستعمل على حدة! وبحوث نموذجة المستعمل User modeling تحاول عنونة تلك القضايا، وهي إحدى مجالات البحث التي يشكل الحدس فيها أساس المقترحات والاستثمارات النافعة، ومستندة إلى حاجات المستعملين الواضحة وأرباحهم المحتملة.
إن ما تراكم من معرفة عن الثورة المعلوماتية يمثل كمّاً ضخماً، لكنه أدنى بكثير مما لا نعرفه عنها، ونحتاج دراسة مستمرة لتداعياتها الاجتماعية والفكرية والثقافية والقانونية والأخلاقية. فما تأثيرات الحوسبة في المجتمع؟ ما الذي نقصده حين نقول: إن الإنترنت أعادت تشكيل المجتمع؟! كيف يتصل ويتواصل الناس؟ وكيف غيرت أنماط الاتصال الجديدة الطريقة التي يعمل بها الناس؟ كيف تؤثر الزيادة المتضاعفة السريعة في إعداد المستعملين للكمبيوتر والإنترنت في تقليل وتقليص القيود وشروط التعليم الجامعي مثلاً أو العمل السياسي؟ كيف ستؤثر الويب www في الطريقة التي يبحث ويستعمل فيها الناس المعلومات الطبية؟! كلها أسئلة قد تبدو سهلة وبسيطة! وكما أشرنا في كتابنا الأول عن «هوس الإنترنت وتداعياتها» أنه ظهرت كيانات اجتماعية جديدة يتواصل من خلالها الناس مثل البريد الإلكتروني وجماعات المناقشة، تحتاج دراسة جديدة لفرع علمي جديد، بدأ ينمو، وموضوعه الأساسي التغيير الاجتماعي الناشئ نتيجة تطبيقات وممارسات تكنولوجيات المعلومات والاتصال، ويطلق عليه بالإنجليزية Social Informatics (SI) ، والترجمة الحرفية له هي المعلوماتية الاجتماعية، ولكنها لا تعكس بالعربية المعنى بوضوح، وإذا ترجمناها وظيفياً نقول: اجتماعيات المعلوماتية أو سيسولوجيا المعلوماتية، وهي مجال البحوث والدراسات التي تختبر تصميم واستعمالات وتطبيقات ونتائج تكنولوجيات المعلومات والاتصالات في تفاعلها مع السباقات الثقافية والمؤسساتية.
وبمعنى آخر هي البحوث والدّراسات التي تفحص نواحي الحوسبة الاجتماعية والتنظيمية، متضمّنة أدوار تكنولوجيا المعلومات في التغيير التّنظيمي والاجتماعي، وفوائد تكنولوجيّات المعلومات في السّياقات الاجتماعية، والطرق التي تنظم اجتماعياً تكنولوجيّات المعلومات، التي تتأثّر بالقوى الاجتماعيّة والعادات والقيم والمعتقدات الاجتماعية، وأيضاً الآلية التي تتم فيها، والتكنيك الاجتماعي للشبكات، وإمكانيات الوصول للمعلومات، والبنية الاجتماعية من أجل الحوسبة. والمصطلح « Social Informatics (SI) المعلوماتية الاجتماعية»، ظهر من سلسلة محادثات نشيطة، في شباط (فبراير) وآذار (مارس) عام 1996، بين مجموعة من العلماء في الولايات المتحدة الأمريكية، حول النواحي الاجتماعيّة للحوسبة، مثل فيل أجر، جاككيز بيرلير، بريندا ديرفين، أندرو ديلون، وكلينج، وبوستر، وكارين رهليدر، بين شنييديرمان وليالي ستار وباري ويلمان. ولسوء حظّ، دراسات المعلوماتية الاجتماعية أنها تبعثرت في بضعة حقول مختلفة، متضمّنة علم الحاسب، نظم المعلومات وعلم المعلومات وبعض العلوم الاجتماعيّة، وتستعمل كلّ من هذه الحقول نوعاً من التّسمية المختلفة. وكان الفضل للعالم كوينينج في صياغة هذا المصطلح لجمع تلك الفروع، ولتقوية الاتصال بين المتخصصين، ولتقوية الحوارات بين مجتمعات المصمّمين لبرامج الحاسب والإنترنت والمحلّلين الاجتماعيّين.
وهذا الكتاب، يستكمل البداية المتواضعة والمختصرة، التي بدأت في كتابنا السابق «هوس الإنترنت وتداعياتها الاجتماعية والسياسية» لموضوعات وقضايا تدخل مباشرة ضمن هذا المجال المعرفي الجديد «اجتماعيات المعلوماتية»، وتحديداً تركز أفكار هذا الكتاب على تأثير الإنترنت في تفاعلها مع السياقات الاجتماعية والثقافية والمؤسساتية، وهذا التفاعل نتج عنه الكثير من السلبيات والمفارقات، وبمعنى أدق نتج عنها الكثير من النتائج غير المتوقعة!
ويحتوي هذا الكتاب من مجموعة من الآراء والاجتهادات التي اختيرت من بين العديد مما طرحته في دراسات في موضوع المعلوماتية وتفاعلاتها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية. وقد رتبت هذه الأفكار في 16 فصلاً، والبداية في التمهيد تحت عنوان لم ينته زمن الإنترنت، ثم الفصل الأول عن موجات التكنولوجيا التي مر بها العالم، وموقع الإنترنت في تلك الموجات، والدورة الاقتصادية والانتشارية لموجات التكنولوجيا، وماذا ينتظر العالم من جديد! والفصل الثاني والثالث، تناولا العلاقة المتبادلة بين تكنولوجيا المعلومات والمجتمع، وتأثير كل منهما في الآخر، تحت عناوين اجتماعيات المعلوماتية، والمجتمع وتكنولوجيا المعلومات، والفصل الرابع يتكلم على المفارقة بين الورق والإلكترون، وهل يمكن للبشر الاستغناء عن استعمال ورق الكتابة! الفصل الخامس، يكمل الرابع ويتكلم على مستقبل الكتب الرقمية تحت عنوان مكائن الكتب. والفصل السادس عنوانه الجنس الافتراضي، ويحاول استعراض التأثيرات النفسية والاجتماعية لفيض الإباحية المنتشر على الإنترنت، وفي الفصل السابع تظهر المفارقة أيضاً بين سمة الإنترنت الأساسية وهي العمومية ومجانية خدماتها، ومستقبل ملكية الإنترنت الذي يبشر بالسيطرة التجارية على خدمات ومحتويات الإنترنت، والفصل الثامن يحاول فك أبعاد إشكالية الإبداع والملكية الفكرية على الإنترنت، والفصل التاسع يتناول طبيعة الديمقراطية الإلكترونية والتناقض بين واقع الديمقراطية في العالم العربي ومستقبل الانتخاب الإلكتروني، والفصل العاشر يحاول وصف خصائص أطفال الإنترنت، وهم السادة الجدد جيل الإنترنت، والفصل الحادي عشر تحت عنوان: ماذا يعرف الشباب في عصر الإنترنت؟ يثير المفارقة بين واقع عدم مبالاة الشباب، ووفرة المعلومات المتاحة لهم في هذا العصر! ويفند الفصل الثاني عشر أبعاد الملهاة المعلوماتية، ويستعرض المفارقة، في دخولنا عصر معلومات بشكل متزامن أيضاً مع عصر الإلهاء أو صرف الانتباه، حيث تتحرّك الحياة حولنا بسرعة أكبر، وبطريقة إلكترونية أكثر إثارة وأعظم؛ وتقلصت محادثاتنا، وضعف انتباهنا، وتبددت رغبتنا في انتظار الأشياء، ونفد صبرنا، واختصرت قدرتنا بسرعة على التفكير بشكل نقدي، وأصبحنا منومين مغنطيسياً، وتمت محاصرتنا بالصوت والصورة والحركة! والفصل الثالث عشر يتناول طغيان المعلومات واستبدادها، وينقد الفصل الرابع عشر انتشار العنصرية والكراهية على الإنترنت، ويقدم الفصل الخامس عشر حالة حرب العراق مثالاً للحرب المعلوماتية. وأخيراً الفصل السادس عشر يناقش التنوع الثقافي على الإنترنت، ويقف طويلاً عند حالة اللغة والثقافة العربية على الإنترنت.
دكتور أحمد محمد صالح
Saleh 221 @ yahoo.com