كتاب " الشعر في العصر الأموي " ، تأليف د. غازي طليمات و أ.
You are here
قراءة كتاب الشعر في العصر الأموي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ب- عوامل التحول من الخلافة الراشدة إلى الحكم الوراثي
يخطئ من يدّعي أن دهاء رجل واحد يستطيع أن يغير مجرى الأحداث، فيصرف التاريخ عن وجهته إلى وجهة أخرى. فأحداثُ التاريخ الكبرى كالثورات السياسية والاجتماعية والتبدلات الطارئة على أنظمة الحكم تأتي نتيجة لأسباب كثيرة، تتداخل وتتفاعل قبل أن ينجم عنها وضع جديد. وانتقالُ الحكم على يد معاوية من الخلافة الراشدة إلى الملكية الوراثية لم يحدث إلا وفق هذا الناموس التاريخي المطّرد. فما أهم العوامل التي أحدثته؟
لقد تهيأت للتغير عوامل كثيرة: بعضُها جغرافي، وبعضها اقتصادي، ومنها ما له صلة ببنية المجتمع الجديد، ومنها ما له صلة بالتطوّر الفكريّ السريع. وهذه العوامل - على تميّز بعضها من بعض - كانت متقارضة لا متعارضة، إذْ أثر بعضها في بعض وتأثّر، ونجم عن تبادلها التأثر والتأثير هذا الانتقالُ في نظام الحكم من حال إلى حال.
1- العامل الجغرافي:
حينما وسّعت الفتوح مساحة الدولة العربية الإسلامية فقدت المدينة المنورة موقعها الملائم لإدارة هذه البقاع الآخذة بالاتساع، إذْ نقلها الاتساع المتتابع من مركز الدائرة إلى قطاع جانبي منها، وأفرغها أو كاد يفرغها من الصحابة، وهم مجلس الشورى في دولة الخلافة، فانساحوا مع جيوش الفتوح في مشارق الأرض ومغاربها. فكيف يتسنى للخليفة الأموي أن يجمع أصحاب الرأي في حاضرته بعدما قذفتهم كتائب الجهاد في كل واد بين الهند في الشرق وإفريقية الشمالية في الغرب؟
لقد فرض هذا الوضع الجغرافي النظام الملكيّ فرضاً، لأنه يحصر صنع القرار في شخص الخليفة في الحاضرة، أو في قائد الجيش البعيد عن الحاضرة، أو في الوالي الذي ينتدبه الخليفة لحكم أحد الأقطار. ويُخوِّل من ينوبون عن الخليفة حقَّ التصرف فيما يتولّون من أمور القيادة والإدارة، لأن معايشتهم الأحداث والأوضاع تجعلهم أقدر من الخليفة على تصريفها.