You are here

قراءة كتاب الإخوة الأعداء

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإخوة الأعداء

الإخوة الأعداء

كتاب " الإخوة الأعداء " ، تأليف نسيم ضاهر ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 6

لقد جرى استثمار مشاركة قبلية محدودة بحكم الاعتبار المعنوي لشريف مكّة، في المجهود الحربي العام إبَّان النزاع الدولي مطلع القرن العشرين، دلالة على نضوج وعي عربي شامل بصبغة تحرّرية وحدويّة ضاربة في التاريخ. تماماً كما جُعل من غرق المركب العثماني في مرحلة الشيخوخة إيذاناً بانبلاج فجر جديد، الأمر الصائب نسبياً من زاوية زوال الاستبداد كبؤرة تخلّف جامعة، والمُغالي في نسبة التحولات إلى يقظة عربية تلتها وثبة أسطورية اصطدمت بمشروع استعماري مُتربِّص بالبلاد والعباد، إتكأ على تبعية الحكّام الجدد له، وخالف منطق التاريخ في حينه. فما من ذمّ بانتفاضة الشريفيين وانتقاص من إسهامات أولئك الذين غادروا موقعهم في تشكيلات بني عثمان واستشرفوا أعراضها وموتها البطيء باكراً، إذا استعيد شريط الأحداث وأنزل نصابه، بالتخلِّي عن المنمّقـات والمساحيق، وصولاً إلى الاعتراف بحقيقة ما جرى وبيان أوزان وأحجام الفرقاء جميعاً. وبالتالي، يصحّ إكبار الروّاد وأصحاب المروءة عند التضحية والصعاب؛ كذلك يُسجل التفاف واحتضان للمسيرة الفيصلية في بلاد الشام، ومن ثمّ ما بين النهرين، على خلفية الالتباس في شأن سايكس-بيكو، والرفض القاطع لوعد بلفور. غير أن الثورة العربية الكبرى لم تكن صناعة عربية في المطلق، بل إنها افتقدت عناصر أساسية بالتعريف، وانتقلت رسالتها كانتفاضة مدعومة بريطانياً من الحجاز إلى عرب الشمال في فترة مفصلية وجيزة، وفي مناخ مؤاتٍ، فكانت حدودها مرسومة من الظافرين تبعاً لهندسة مسبقة آلت إلى تجاذب بين الحلفاء وتغييرات طاولت مناطق النفوذ وخريطة الانتداب.

انتهى فصل النزاع العثماني الأخير بزوال هيمنة السلطنة المفكّكة وبسط النفوذ الانكلو-فرنسي على الشرق الأدنى، تتمة للإمساك بأفريقيا الشمالية من مصر إلى أقاصي المغرب. سوف يسير كل بلد وفق نمط مختلف جرّاء الترسيمة الاستعمارية، وتتعدّد القيود الشادّة إلى المتروبولات بين حماية وانتداب بحراسة قوات مرابطة، أو ضمّ كمقاطعة كما في حال الجزائر الفرنسية، أو مستعمرة كعدن، وليبيا بعد حملة إيطاليا (1912) عشية النزاع الكوني في لعبة الشطرنج المتوسّطي. تماهى المشرق، من الخليج إلى المتوسط مع شمالي أفريقيا، بالخضوع لمشيئة الوصاية الأوروبية، وانفردت الجزيرة العربية بطعم الاستقلال تحت حكم آل سعود(مع اليمن القروسطي الخالي من نعمة البترول)، حيث ما لبث الملك عبد العزيز، قاهر الهاشميين، إن تخلص من عبء الإخوان، أعوان الأمس وسيوفه المشرعة، بقوة السلاح. هكذا، غدا المقيمون المعتمدون والمفوّضون السامون أصحاب الأمر والنهي، وانتشرت القواعد العسكرية والبحرية تملأ الأمصار وتضبط السياسة المحلية على إيقاع الإستراتيجيات.

في المبنى التاريخي، لم يخلف اندثار الإمبراطورية العثمانية نشوء كيانات عربية مستقلة نظير دول الروملي في المقلب الأوروبي. لا تُلام النخب العربية في ذلك، ولا ينسب لها منصف تهاوناً وسوء إدراك. فالذي تحقق، إنما تضافرت عليه عوامل قاهرة، ألقت بثقلها أفريقياً ومغاربياً منذ القرن التاسع عشر، عازلة المتوسط الجنوبي عن مدار السلطنة، في حين رسَّخَت بريطانيا العظمى سلطتها الفعلية على مشيخات الخليج وضفتي مضيق هرمز مع سيطرتها على البحار. وعندما انضمت إسطنبول إلى المحور الجرماني وغامرت بتجريد حملة للوصول إلى ترعة السويس مع تعزيز حامياتها على خط الحجاز بغية الإبقاء على ممتلكاتها العربية، تصدّت لها جيوش بريطانيا المتعددة الجنسيات، فيما اكتنف الغموض مراسلات مكماهون مع الشريف حسين، فجاء العهد المقطوع له منقوصاً تعوزه الدقة ويحيط بمندرجاته إبهام مقصود لا يشي بما احتسبه الجانب العربي واشتهاه من انبعاث أحادية دولتية وشمولية قومية وتحرير مصير على كامل الأرض المنتزعة من النير العثماني. إن ما اعترى البدايات عائد لواقع الضعف العربي والإنهاك الذي حلَّ بالمنطقة جرّاء الاستنزاف التركي. وفي ما بعد، لمّا بات على العرب استخلاص النتائج، داهمتهم الوقائع، ودفعتهم المرارة إلى اختصار العلَّة بمكر الإنكليز وخداعهم.

على الرغم من هذه المحددات والمُعوِّقات، تسنّى للدول العربية الناشئة اختبار نموذج حقوقي دستوري في إدارة الشأن العام، يعتبر تمثيلياً هجيناً بعيداً من الكمال الديمقراطي والشفافية، تشاركت في ظلاله شرائح إقطاعية وعشائرية وبورجوازية مدينية.

حظيت مصر، المتحوِّلة من الخديوية إلى الملكية، بالريادة في بلورة صيغة الأحزاب لتلاشي علاقتها العضوية بإسطنبول منذ عقود استبقت هزيمة بني عثمان، فقارعت باكراً الاحتلال البريطاني لوادي النيل. في المشهد العام، صادرت الدوائر الأنكلو/فرنسية نصاب السلطة العليا، وأمسكت بالقرار السيادي، لكنها، في المقابل، أشرفت على بناء هياكل إدارية بطابع حداثي ومؤسسات قضائية مدنية تتحلى بالنزاهة وتحثّ على احترام مبدأ القانون. كانت تلك التنظيمات بواكير واعدة، إيجابية المرمى والحصيلة، مغايرة للمتبّع التقليدي المتقادم، اعتبارها محمول الخدمة العامة، لا الادّعاء التمديني الذي ألصقه بها غلاة التفوق الغربي، المتشاوفين على أهل البلاد.

Pages