You are here

قراءة كتاب الإخوة الأعداء

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإخوة الأعداء

الإخوة الأعداء

كتاب " الإخوة الأعداء " ، تأليف نسيم ضاهر ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 9

وسط غابة من السلاح ضمنت منظمة التحرير الفلسطينية التمثيل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني على أرضه التاريخية وفي الشتات. ثم لياسر عرفات ما عجز الشقيري عنه بشططه اللفظي المحموم، مستوعباً التفتح الفصائلي تحت خيمة الثورة، وما كان لوحدة الصف، الشكلية غالباً، حظها من المظهرية لولا براعة أبي عمّار وثقل فتح. إنما وجّه أبو نضال(صبري البنا)، المنشق عن فتح، طعنة بليغة لحاضنة المؤسسة الفلسطينية، إثر أحداث أيلول الأسود في الأردن وانكفاء القيادة إلى لبنان، فاتحة مسلسل دامٍ طال الإخوة، وتشبّه صنّاعه برسل حسن الصبّاح من الحشّاشين. لن توقف الإدانة المتكررة أداة القتل هذه، التي تحولت إلى جماعة مرتزقة يجري توظيفها واستخدام خناجرها من أرباب الأنظمة لتصفية الحسابات، والنيل من استقلال القرار الفلسطيني، وفيما أدار أبو عمار بحنكة لعبة النظريات حول فتح، وشجع أيضاً تناسل الفصائل، غدا الحكم الأوحد في المنازعات داخل البيت الفلسطيني، غير أنه فشل في القضاء على أبي نضال.

ليس مصادفة تزامن الرحيل الفلسطيني الرسمي عن لبنان مع ولادة حزب الله. فلقد ظنّ كثيرون أن الوليد خرج من رحم حركة أمل الشيعية بعد غياب المؤسس السيد موسى الصدر. الصائب على ما أفادت به مفكرة السنوات، بينما جاء تأسيس حزب الله برعاية إيرانية مباشرة، حيث اتخذ من الحرس الثوري عرَّاباً أمسك بيديه وقاد خطاه. بعدئذٍ تولّت أمل حرب المخيمات للإجهاز على حضور منظمة التحرير الفلسطينية في ضاحية بيروت الجنوبية، ما كلف المقاومة الوطنية الكف عن نشاطها ومطاردة مجموعاتها، بناءً على إملاء سوري حازم تبرّم من استقلالية طابعها المدني، ومن رفض محرّكها اليساري المشاركة في قهر الفلسطينيين وتطهير بيروت من شوكة في خاصرة مشروع الهيمنة الشامي العائد إلى العاصمة اللبنانية. نالت أمل حصتها في كنف الهندسة "الأخوية"، ودفعت بدورها ثمناً بشرياً باهِظاً لقاء إسناد المقاومة إلى حزب الله منفرداً، في صدامات دموية معه شملت معظم الجنوب وأرست، في النتيجة، غلبة الحزب الصاعد كوكيل معتمد للمحور الإيراني-السوري، أُنيط به تنفيذ العمليات العسكرية في الشريط الحدودي المحتلّ، وتجسيد المقاومة روحاً ورسالة ومسمّى. مذ ذاك اقتصر دور حركة المحرومين المدجّنة(أفواج المقاومة اللبنانية- أمل) على المحاصصة في السلطة، هياكل وأجهزة، وتوفير الغطاء والإسناد لشقيقها الجهادي الموثوق وفق معادلة بينية ذات وجه ثنائي، واكبت التمدد الشيعي جغرافياً والتموضع المذهبي الفاعل بين سائر المكونات في لبنان الساحة وعلى خطوط التماس مع العدو.

خلال العقد الأخير من قرن حافل بالتحولات، إنقلبت التحالفات وانسحب الجيش الأحمر من أفغانستان، تلاه انفراط عقد الاتحاد السوفياتي، واحتلال صدّام حسين للكويت، ليطرد منها في حرب الخليج الأولى بتحالف قادته الولايات المتحدة التي رابطت قواتها في المنطقة المتاخمة، وحملت ديبلوماسيتها على عقد مؤتمر مدريد وإجراء محادثات عربية/إسرائيلية شاملة فشلت في إنهاء النزاع. حينها بدأت أفواج الأفغان العرب بمغادرة أفغانستان بعد انتصار المجاهدين، فيما أطاحت حركة طالبان بالفصائل المتنازعة على السلطة، واستقرت في كابول العاصمة. كما سمح اتفاق أوسلو إثر مفاوضات سرية منفردة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية بدخول ياسر عرفات إلى الضفة والقطاع، وقيام سلطة وطنية محدودة الصلاحيات. في المجمل، فتحت غير قناة اتصال برعاية أميركية، كادت أن تصل إلى خواتيم بين سوريا وإسرائيل، تعثرت في اللحظة الأخيرة، دون إغلاق ملف المفاوضات.

جلست المنطقة على قاب قوسين من حلول ممكنة، لم تنضج، إنما لاحت معالمها في الأفق غير البعيد، تترنَّح ولا تصل إلى طريق مسدود بالكامل، إلى أن حلّ الزلزال.

فقد صحا العالم في السنة الأولى من الألفية الثالثة على غزوة نيويورك (واشنطن) التي أدّت إلى محو برجي مركز التجارة العالمي(وتدمير جزئي للبنتاغون)، مخلفة حوالي ثلاثة آلاف قتيل في قلب الولايات المتحدة الأميركية، دون سابق إنذار. افتتح القرن، بعد عقد من انهيار الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة، بعمل إرهابي مروِّع نفذته جماعة انتحارية وتبنّته منظمة القاعدة بقيادة أسامة بن لادن المتعاون مع طالبان في ملاذ أفغانستان، أثبت ان سقوط الثنائية القطبية، وبالتالي تصدّع معادلة الرعب النووي، لم يمنح القوة العظمى مناعة كافية تضع أراضيها في مأمن من الاعتدادات. سوف تؤكّد عمليتا احتجاز الرهائن في بيسلان وموسكو آفة الإرهاب، وتصيب روسيا في الصميم، بخسارة بشرية كبرى ونتيجة كارثية على صعيد إجراءات المواجهة.

أخذت المعمورة علماً باستحالة تفادي ضربات الإرهاب المتنقل والمعلوم انطلاقاً من بؤر نزاعات مزمنة، استوطنت القوس الممتد من كشمير إلى البحر الأسود، وتابعت تزويد الدول المعنية بالتضييق على نشاطها، عينات مخيفة أوقعت ضحايا بريئة بالآلاف. فكيفما أجريت المقارنة مع سابقات مكائد عرفها التاريخ، تبدّى هول الظاهرة المنبعثة مطلع زمن موعود بالمنجزات العلمية، أفرج عن انتحاريين متمرِّسيـن بالوسائط الحديثة يستخدمون التقنيات ويربطون الأرض بالسماء. رسل الموت الصاعق تهيأوا وقدموا، تاركين وراءهم الرسالات الصوتية المفعمة بعبارات التقوى ودوافع الجهاد، ولا من كابح مصدره الناسوت قادر على إيقاف زاهد بحياة فانية تأبط اللاهوت.

Pages