قراءة كتاب الخراف الضالة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الخراف الضالة

الخراف الضالة

كتاب " الخراف الضالة " ، للمؤلف أحمد جمعة ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

عندما نزلنا جميعنا إلى البحر وكانت السماء غائمة والماء بارداً فوجئنا بأسراب الأسماك الطافية التي بصقت لعابها تتدافع ميتة، وبعضها يترنح بسكرة الموت، كنت مأخوذاً بمشهد الموت الجماعي لها، تسمرت عيناي للحظات على بريق الشمس بأشعتها الرصاصية المنبثقة من ثغرات الغيوم التي سطعت على أجساد الأسماك فبدت تلمع وتخطف النظر، فأسرع بالتقاطها وأتجنب الإمساك بالأسماك المترنحة التي ما زالت تبعث بأنفاسها الأخيرة فتلك الصورة تصيبني بالقشعريرة وتبث فيّ الخوف رغم جسارتي المعهودة بين أقراني، كان منظر موتها يبعدني عنها بسرية خشية أن يلاحظ أحد ممن حولي ترددي في التقاطها وهي ما زالت حية، كانت الفتيات بعضهن يراقبن المنظر وبعضهن يبادرن إلى المشاركة في الصيد الذي تتسع دائرته حين يلمح بعض الفتية على الساحل حملتنا فيهرعون إلى النزول للبحر فيقع الشجار مع هؤلاء محاولين صدهم ومنعهم من الصيد لكونهم غير مساهمين معنا في الحملة التي بدأت بجمع المال وتحضير السم ثم نثره في الماء، أما أنا فقد كنت مشغوفاً بالبحث عن الفتيات اللواتي يقتربن منا ويتطلعن للمشاركة معنا وكانت هناك واحدة تدعى فاطمة علي في مثل سني تقريباً سمراء فاتحة اللون، نحيفة القوام مع شعر طويل أسود وعينين واسعتين تستلطفني في كل مرة أصادفها في البحر أو عند خباز الحي حينما تأتي لشراء الخبز فيما أراقبها وأبعث لها بعض الإشارات، ومن نظراتي إليها تيقنت من تفاعلها مع تلك النظرات فرحت أتحين الفرصة عندما تنزل إلى البحر للتواصل معها، كنت أغطس وأقترب منها وأسترق النظر تحت الماء إلى ساقيها وفخذيها حتى إنني عرفت لون سروالها الأسود، كان ردفاها مكتنزين وخصرها نحيفاً مع بطنها الذي برز في الماء مشدوداً، كانت بشرتها عند أطراف السروال أكثر اسمراراً من الأعلى وكان لون البحر يضفي عليها زهواً أشبه بلوح الزجاج الذي يعكس بريقه ضوءاً ساطعاً عندما تسقط عليه أشعة الشمس، ظللت ألفّ وأدور حولها حتى انقطعت أنفاسي فخرجت لأجد نفسي بقربها وأفاجأ بنظراتها مسلطة نحوي مع ابتسامة خبيثة تنبئني بأنها كشفت نيتي، ابتعدت لدقائق وانتظرت الفرصة المناسبة وهي تبتعد عن المكان قليلاً لأعاود الغطس حولها من جديدة وفي هذه المرة تجرأت بجسارة ومتعة، فتركت يدي تمسح فخذيها فأسرعت بوضع يدها على يدي محاولة إبعادها برقة ومن دون إصرار فتماديت بترك يدي تتسلل تحت السروال وتمنيت لو أرى لحظتها رد فعلها على وجهها فوق السطح، وحين انتفضت مبتعدة عني خرجت إلى السطح بعد أن كدت أختنق بعد مضي أكثر من دقيقة تحت الماء لأرى وجهاً أسمر البشرة غليظ القسمات يقف بجانبي ويهمس لي مبتسماً بخبث:

- فعلتها يا لئيم؟ ماذا وجدت تحت الماء؟ كيف كان لونه؟!

التقط سمكة ميتة كانت تطفو حولنا وهي بحجم نصف كف اليد وراح يهزها في وجهي مع ابتسامة قذرة تعكس فضوله البغيض، وفيما هو يهم بالابتعاد ردد والسمكة بيده تلمع:

- هل هذا حجمه؟

أخذت أقذفه بالأسماك الميتة واحدة تلو الأخرى وكلما غطس وأخرج رأسه من الماء رحت أقذفه بالمزيد منها حتى لفتَ أنظار بقية الزمرة، ثم فجأة اقترب مني وبدا وجهه مخيفاً وكأنه شبح جنيّ، كان في مثل سني ولكن وجهه اختلف عن وجوه الأطفال، رأيت الوجه لأول مرة وآخر مرة، ولكنه ظل يلاحقني في أحلامي وكثيراً ما كان ينقذني من أخطار محدقة توشك أن تقع لي، ولهذا قصة أخرى سيأتي زمنها، أما هي فقد تسللت تدريجاً نحو سرب الفتيات من غير أن أدرك ما إذا عرفن شيئاً مما جرى تحت سطح الماء، فقد اختلطت الحوادث بسرعة وسط غمرة المتحمسين لجمع الأسماك وبين المشاجرات التي افتعلها بقية الصبية الذين هرعوا لجمع السمك من دون أن يشتركوا معنا في حفلة السم التي أوشكت على الانتهاء، وقد امتلأ سطح البحر بالأسماك التي كانت في أغلبها صغيرة ولا تؤكل وإنما نكتفي بتسميمها وقتلها وتركها تطفو ثم تجرفها التيارات إلى الساحل فتتغذى بها القطط والكلاب وتلفظها الطيور التي كانت تفضلها وهي حية في الماء حيث تنقض عليها وتلتقطها وتحلق بها حيث نشاهد السمك يرقص من الألم قبل أن يسقط في البحر نتفاً وشظايا.

حالما أخلع ملابسي في بداية النهار وأغطس في الماء ينتابني شعور أشبه بالنعاس يتسلل إلى أطراف جسدي ويخدر بشرتي فلا أشعر سوى بالفراغ الداخلي، أنقطع فيه عن العالم الخارجي فأظل أغطس مرات حتى تنتابني قشعريرة تجرفني نحو إحساس مفعم باللذة التي معها أشعر بالانتصاب وأنا في الماء وقد قادني ذلك مرات لأغفو وأجد نفسي بقرب المياه العميقة حيث الخور الذي يفصل بين ساحل المحرق القريب من بيت عبد النور وساحل عراد المطل من الجانب الآخر ويتم الوصول إليه عن طريق العبارات الشراعية الصغيرة، وحدث أن فوجئت بنفسي بعيداً عن زمرة الأصدقاء الذين لا يبالون بمدى انجرافي مع تيارات البحر لثقتهم بقدرتي على السباحة والسيطرة على الموج ولكن الخوف كثيراً ما تملكني حينما كنت أرفع رأسي فوق السطح فأرى البحر من حولي وكاد الساحل يختفي بدوره عن ناظري، كنت أتحد بالموج وأشعر بروح الخوف تندمج مع اللذة التي تستدرجني من الداخل فأسارع في العودة منهكاً ويطبق عليّ النعاس أثناء سيري نحو الدار وفي الليل حينما أغرق بالنوم تتدحرج الأحلام مكثفة من حولي فتنتابني الصور متلاحقة، خليط من الفتيات والأسماك والقوارب التي تسرح بي وسط افتتاني بغموض البحر الذي يحتويني من خلال الأحلام، فترافقني تلك الصور خلال النهار وفي المدرسة وأثناء اللعب وحتى في عزلتي التي تبدأ مع نهاية الليل بعد أن تهاجمني الأفكار وتلعب برأسي صور الفتيات اللواتي أشاهدهن طوال اليوم في الحي ثم تلتصق بي صورهن آخر الليل حينها أبدأ بتصفح بعض المجلات والروايات وغالبيتها لنجيب محفوظ ويوسف السباعي وإحسان عبد القدوس وبعض الروايات الأجنبية المترجمة التي أقوم بشرائها من مكتبة الشعب بالمحرق، كـانت تلك مرحلة لاحقـة بـدأت معها الولـوج إلى عالم القراءة.

- سَعُود.. ماذا فعلت بالفتاة؟ كل اللواتي معها خرجن من الماء إلا هي، يبدو أنها وجدت ما تبحث عنه عندك، هل نمت لك لحية بالأسفل؟

- إن لم تغلق مزبلة فمك النتن فقد....

Pages