You are here

قراءة كتاب أحاديث الثلاثاء - كتابات لمثقفين عراقيين -الجزءالثاني

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أحاديث الثلاثاء - كتابات لمثقفين عراقيين -الجزءالثاني

أحاديث الثلاثاء - كتابات لمثقفين عراقيين -الجزءالثاني

كتاب " أحاديث الثلاثاء - كتابات لمثقفين عراقيين - الجزءالثاني " ، تأليف عطا عبد الوهاب ، والذي صدر عن دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر .

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

تجارب مسرحية في الزمن الصعب··!

يوسف العاني

(1)

ما من شك في أن مسرحنا العراقي عبر تاريخه الطويل كان مسرح مواجهة لم توقفه الصعاب أو المتاعب من أن يغذ السير ويتجاوز العقبات ليُحقق هدفه المنشود فكراً ومضموناً وفناً لا ينعزل عن الجماهير أو يتنكر لها· وفي هذا الجزء سوف نتذكر بعضاً من تجارب مسرحنا هذا·· متعرفين على المرونة الإبداعية التي كان يتوسل بها في ظروف صعبة وفي أكثر من زمان ومكان·

كانت الفرق المسرحية تذهب إلى أماكن تجمع الناس بأشكال مختلفة· فقد كانت فرقة المسرح الحديث على سبيل المثال تذهب في أوائل الخمسينيات إلى النوادي الاجتماعية تقدم عروضاً مسرحية قبل أن يقوم النادي بواجبه الترفيهي الذي اعتاد عليه رواده يومياً·· لقد دخلت الفرقة نادي المحامين ونادي المصارف ونادي السكك الحديد· وكانت توفر جواً من عناصر الجذب أولاً ثم تخلق الجو المسرحي بأكمله ثانياً، بوسائل بسيطة مؤكدة على المضامين التي تريد تقديمها عبر أعضاء الفرقة وعدد غير قليل من الهواة المنتمين إلى تلك النوادي وحين ينتهي العرض ويعود للنادي جوه يتحول الحديث إلى ندوة مسرحية تتناول أحداث المسرحية وفكرتها وشخصياتها وبذلك يتحقق الهدف المطلوب من العرض المسرحي·

لقد اتسع نطاق انتشار العروض المسرحية في تلك الظروف الصعبة وأعني بـالصعبة عدم توفر المكان المناسب والإمكانات المطلوبة·· وفي كثير من الأحايين عدم توفر إجازة المسرحية أو إجازة العرض المسرحي أقول اتسع نطاق انتشار العروض فشمل التجمعات الجماهيرية في مناسبات وطنية أو حتى في الاحتفالات الشعبية وفي السفرات والرحلات حيث يتحلق الناس ويتم العرض ببساطة وصدق وجو رائق تطرح من خلاله الكثير من القيم الوطنية والقومية والكشف عن الواقع الحياتي الذي يعيشه الفرد آنذاك· مع هذا الوجه هناك وجوه أخرى فالعروض المسرحية كانت تقام في السجون وفي المعتقلات وكانت مراحل وخطوات اكتمال العروض تأخذ وقتاً وجهداً كبيرين حتى يتم تلافي الصعاب لإتمام العرض المسرحي·

وأذكر على سبيل المثال عرضاً مسرحياً تم في معتقل أبو غريب بعد انتفاضة تشرين عام 1952 فقد استطعنا رغم كل الظروف الصعبة أن نقدم داخل المعتقل مسرحيتين الأولى مسمار جحا والثانية مسرحية ماكو شغل

فعلى ضوء الفوانيس وبستارة هي أغطية الموقوفين· وعباءة واحدة منا واللحية الطبيعية لممثل دور جحا وكنت أنا الذي مثلت الدور·· فبعد أسبوعين من عدم حلاقتي لذقني كان هناك مكياج طبيعي·· وكان جحا شخصية مقنعة بعد أن صارت عمامته شرشفاً لفراش أحد المعتقلين أيضاً·· أما مسرحية ماكو شغل فقد شارك فيها عدد من الهواة·· وقدمت داخل حلقة حددنا فيها أماكن الخروج والدخول لا غير، ونجح العرض المسرحي حتى صار حالة يتحدث عنها الجميع حتى تدخل المسؤولون عن المعتقل ونقلوا بعضاً منا إلى أماكن أخرى وأطلقوا سراح البعض الآخر حلاً لمشكلة لم تخطر ببالهم في مشكلة المسرح.

20/10/1990

(2)

في فيينا عام 1958 شاهدت أوبرا ناباكو لفيردي·· كان شتاء بارداً نحرص فيه أن ننتقي الأعمال المسرحية الكبيرة لكي ندفع المبلغ الذي يتناسب ومكانتها ويتلاءم أيضاً مع حرماننا من الكثير من متطلبات الحياة اليومية من أجل هذه المشاهدة القيمة!!

مشاهدتي لأوبرا نابوكي أعطتني درساً لن أنساه ما حييت· وكان سبباً في البحث عن دوري كفنان مسرحي عربي عليه مسؤولية كبيرة لا بد وان يؤديها وهو بعيد عن وطنه وفي ظرف عسير من الاغتراب!

المسألة بإيجاز علمتني كيف حول الصهاينة هذه الأوبرا التي تناولت شخصية نبوخذ نصر ليتخذوا منها منطلقاً في الدعوة لاستدرار عطف المشاهدين على حقوق اليهود في فلسطين!!

في فترات الاستراحة كان المدرسون يجمعون الطلبة ليشرحوا لم أبعاد القضية التي مستها المسرحية أو قدمت جانباً منها وكانوا يكيفون المسألة برمتها ضد العرب ويجعلون من الحركة الصهيونية حركة إنسانية جديرة بالمحبة!

أثارني هذا الحدث وحاولت مع جمع من الطلبة العراقيين والأشقاء العرب الذين كانوا يدرسون هناك أن نفعل شيئاً· وبعد أن فشلنا مع بعض المسؤولين العرب هناك، وأعني السفارات العربية التي لم يكن همها سوى التفرج· قررنا الاعتماد على أنفسنا وبذل الجهد لتقديم عمل مسرحي ندعو إليه المثقفين النمساويين والصحفيين فضلاً عن كل العراقيين والطلبة العرب وأن نوفر جانباً إعلامياً يؤكد وجهنا الحضاري على أقل تقدير وأعني أن الطلبة يستطيعون أن يقدموا مسرحاً رغم إمكاناتهم البسيطة وظروفهم الصعبة - كما أشرت·

اتفقنا جميعاً على تقديم مسرحيتي فلوس الدوة وماكو شغل ·· لكونهما مسرحيتين قصيرتين يمكن توفير كوادر لهما من الطلبة· مع شرح يقدم بالألمانية لظروف واقعنا العربي الرسمي -آنذاك- والحالة المرة التي يعيشها شعبنا مع قدراته التي خنقها الاستعمار وأذنابه··

لم تكن المسرحيتان معي· نسخة من ماكو شغل كانت لدى الطلبة في لندن، استطعنا الحصول عليها، فلوس الدوة،- أعدت كتابتها من الذاكرة- وجعلنا اللهجة في المسرحيتين بسيطة لكي تكون في متناول أشقائنا العرب فقد شاركنا طلبة من سوريا ومصر واليمن· وأعددنا خلاصة لكل مسرحية توزع على الحاضرين من النمساويين·

لم يكن بإمكاننا استئجار مسرح من المسارح المعروفة أو حتى من مسارح الهواة فأجورها باهظة· بعد بحث طويل وشاق وجدنا بالقرب من المقهى التي نلتقي بها باستمرار شفارتز شبانير وجدنا قاعة لا مسرح فيه ولا ستارة ولا إنارة··!

دخلت ووقفت وسطها، وحولي مجموعة الشباب كان من بينهم فيصل الياسري وقالوا بالحرف الواحد: هذا الموجود!

آنذاك تذكرت مسرحية كنت قد شاهدتها قبل أشهر في مدينة لايبزك بألمانيا الديموقراطية هي مسرحة القبرة لجان أنوي· قدمت بأدوات بسيطة وبلا ستارة وبملابس الممثلين أنفسهم على أساس أن العرض هو بروفة مسرحية· وكان مثل هذا الأسلوب في ذلك الوقت فريداً وغريباً·

قلت: سنقدم المسرحيتين لا نحتاج إلا لجرائد عربية وبعض الملابس نكيفها حسب مظهر الشخصيات· فكان ذلك هو المدخل إلى المظهر أولاً· وإعطاء الجو المطلوب ثانياً وبالقدر الممكن· مع عدم عزل المشاهد عن حقيقة ما نقدمه لهم· أي أن كل ما يجري كان تمثيلاً·

وقدمنا المسرحيتين وأعجب النمساويون بالعرض الذي اتسم بالبساطة والعفوية وكتبت بعض الصحف عنها· وتركنا أثراً إعلامياً متواضعاً لكنه كان في تقديرنا تجربة ذات قيمة كبيرة خففت عنا جسامة مسؤوليتنا تجاه شعبنا وأمتنا في ذلك الوقت.

3/11/1990

(3)

في بداية تأسيس فرقة المسرح الحديث عام 1952 وجدت نفسها، لمدة من الزمن مشلولة غير قادرة على تقديم أي عمل مسرحي، لسببين الأول عدم توفر المال اللازم للإنتاج المسرحي الذي تحلم به، الثاني عدم وجود مسرح تقدم مسرحياتها عليه·· فقاعة الشعب فيصل سابقا ليس من السهولة دخولها بل أن التفكير بها ضرب من المحال آنذاك··!

كان على الفرقة أن تخرج من كل هذه الأطر·· وأن تجد منفذاً يسهل عليها الإجراءات اللازمة لإقامة عرض مسرحي فالفرق المسرحية آنذاك كانت خاضعة لقانون رسوم الملاهي وترتبط بوزارة الشؤون الاجتماعية شأنها شأن أي ملهى آخر··! وبعد أن تجاز المسرحية لا بد من إجازة إقامة حفلة! وهذا يتطلب -كما أشرت إجراءات معقدة- وكان أمامنا حل يسهل علينا جزءاً من هذا الخناق· أن نأتي عبر الجمعيات الاجتماعية المعروفة آنذاك ومن خلالها نستطيع أ ن ننفذ بنشاطنا المسرحي، وكانت جمعية النداء الاجتماعي واحدة من الجمعيات التي رحبت بتبني أعمالنا المسرحية -وكان مقر الجمعية في الأعظمية- قرب المقبرة الملكية - وعلى ضفة نهر دجلة·

المطلوب أن نقيم مسرحاً في ساحة مقر الجمعية الواسع·· أن نقيمه وفق احتياجاتنا وإمكاناتنا·· وكان آنذاك مجموعة من شباب يكاد الحماس عنده يتحدى كل الصعاب ويتخطى كل الحواجز·· فقررنا أن نبني هذا المسرح أن نتعاون على بنائه وأن يتم العمل متواصلاً ليلاً ونهاراً·· وفق قياسات أعاننا على ضبطها وتثبيتها على الورق بعض أصدقاء الفرقة·· وبدأنا العمل·· وعشنا فرحاً لا يعادله فرح، فالطين والطابوق والأهازيج التي كنا نبتكرها والأغاني التي كنا نرددها والمقاطع التي نحفظها من مسرحيات عديدة كانت السبيل إلى خلق جو الفرح ذاك وكان يحدونا هدف كبير أن نقيم هذا المسرح من دون منة أو عون من أية جهة أخرى غير الذين أحبوا المسرح وآمنوا به رسالة إنسانية عميقة··

أقمنا المسرح واستعنا بإنارة متواضعة وستارة لا تصمد أمام هبات الريح·· وقدمنا مشاهد من مسرحية عطيل ومسرحية رأس الشليلة وانتقلنا بعد ذلك إلى ضفة النهر مباشرة لنقيم مسرحاً ثانياً وبالحماس نفسه وحرارته ومع نسمات دجلة العذاب·· ومائه البارد الذي نزيل به بقايا الطين والتراب·· قدمنا مقاطع من مسرحية الطبيب رغماً عنه والمثري النبيل وعودة المهذب وماكو شغل وكان إصرارنا ذلك يقف أمامه إصرار السلطة كي توقف ثمرات ذلك الحماس· لكننا لم نتعب ولم نيأس وكانت المجموعة المسرحية لفرقة المسرح الحديث·

إبراهيم جلال يوسف العاني يعقوب الأمين، سامي عبدالحميد، مجيد العزاوي، عبدالرحمن بهجت، حميد قاسم، هاشم الطبقجه لي، شكري العقيدي، محمد القيسي، عادل الشيخلي، محمود الخضيري، عدنان راسم، راسم القيسي·· وآخرون، كانت أقوى من كل تلك الضغوط المعاكسة حتى صارت تلك المحاولات المخلصة أساساً لمسرح حديث يحمل في أعماقه جذور الإخلاص الواعي والإصرار الذي لا يقف عند حد!

2/11/1990

Pages