كتاب " الأزمة المالية العالمية " ، تأليف د. محمد عبد الشفيع عيسى ، والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع.
You are here
قراءة كتاب الأزمة المالية العالمية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

الأزمة المالية العالمية
والآن ما هو مضمون خطة الإنقاذ الأمريكية وتبعاتها؟
إن الخطة الأصلية قام بإعدادها رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي بيرنانك ووزير الخزانة هنري بولسون. ويشير البعض إلى استلهامهما لفلسفة (نيوديل) – السياسة الجديدة – لفرانكلين روزفلت في معالجة الكساد العظيم للثلاثينات من القرن المنصرم، والقائمة بدورها على نظرية الاقتصادي البريطاني الكبير، اللورد كينز، في كتابه (النظرية العامة في التوظف والفائدة والنقود) بشأن حث التدخل الحكومي عن طريق سياسة الإنفاق العام والضريبة وأسعار الفائدة- أي استخدام أدوات السياسة النقدية والمالية لمواجهة إخفاقات الأسواق وأخطاء المشروعات- وذلك على النقيض من رؤى الاقتصاديين التقليديين (أو الكلاسيك) والتقليديين المحدَثين، (أو النيوكلاسيك) بشأن أن السوق تصحح نفسها وأن اقتصاد المشروعات الخاصة ليس بحاجة لدور ما من الحكومة.
ولكن الخطة الأصلية تلك، لم تحمل بصمات كينزية حقيقية، واحتاج الأمر إلى معارضة صارمة من الديموقراطيين في الكونجرس الأمريكي بمجلسيه (الشيوخ والنواب) ليتم وضع "لمسات" ذات طابع كينزي يعيد لليبرالية شيئاً من وجهها (الطيب) أو (المتسامح)، في مواجهة الوجه الكالح "لليبرالية الجديدة" التي حمل رايتها – في الحقل السياسي- "المحافظون الجدد" من أنصار التاتشرية والريجانية سابقاً، و"البوشية" حديثاً، إن صح أن تكون هناك وصفة (بوشية) حقاً.
وهكذا خرجت خطة الإنقاذ إلى النور بعد جهد جهيد، إذ رفضها النواب، ثم أقرها الشيوخ، ووافق النواب على الصيغة المعدلة أخيراً في 3/10/2008.
إن التكلفة الإجمالية البالغة ما بين700 و900مليار دولار، كان سيتم إنفاقها لشراء أصول المؤسسات المتعثرة في قطاع الرهن العقاري، أو إعادة شراء القروض المعدومة، بقيمة 300 مليار دولار تقريباً،، مع حزمة من الإجراءات تتضمن رفع الحد الأدنى للضمان الحكومي للودائع المصرفية، وتعديل أسلوب الاقتراض والرهن بهدف "تصعيب" إشهار إفلاس المدينين الصغار المتعثرين في السداد، بحيث يسمح باحتفاظ الملاك بمساكنهم - بالإضافة إلى جملة حوافز ضريبية للممولين أو دافعي الضرائب الصغار والمتوسطين بقيمة 150 مليار تقريباً، وأيضاً: فرض نظام للرقابة متعدد الدرجات على المؤسسات المالية، خاضع للاستكمال المؤسسي بتشريع لاحق.. وأخيراً: تقنين مكافآت نهاية الخدمة لكبار المديرين.
ويرى البعض أن الحكومة لن تتحمل بالضرورة القيمة الإجمالية للتكلفة المذكورة - من باطن المكلفين بالضريبة- نظراً لاحتمال سداد جزء من القروض بالفعل، وارتفاع قيمة الأسهم للشركات المتعثرة مستقبلا، وبالتالي ارتفاع قيمة القروض التي أعيد بيعها عن طريق إصدار سندات من جانب مصارف الاستثمار المعنية لصالح شركات التأمين والرهن العملاقة.
بيْد أن الثقة غير متوفرة في إمكان التعافي السليم والسريع للنظام المالي الأمريكي.
والدليل على ذلك هو رد الفعل السلبي، والمتشائم على أقل تقدير، للمتعاملين وأسواق المال في الولايات المتحدة نفسها، وفي أوربا وآسيا، ومنطقة الخليج العربي. فقد حدث تراجع عام لقيم الأسهم في مؤشرات البورصات الكبرى، والاتجاه النزولي لمؤشر داو جونز الأمريكي بالذات. ويعكس ذلك خشية الأسواق من عدم القدرة على تنفيذ خطة الإنقاذ المالي، وعدم نجاعتها إن قدر لها التطبيق بالفعل.
ولا عجب في ذلك. فالولايات المتحدة، برغم تكيفها مع انخفاض سعر صرف الدولار لتشجيع الصادرات - والارتفاع الطفيف لهذا السعر وخاصة في مواجهة اليورو - وبرغم خفض سعر الفائدة من نحو 4% إلى نحو 1% لمواجه شبح التباطؤ والركود (ولا نقول الكساد)، برغم كل ذلك فإن التكلفة المقدرة بسبعمائة مليار سوف تضاف إلى عجز في الوازنة الاتحادية الأمريكية بمبلغ يتراوح بين 400 و700 مليار دولار أخرى، وعجز في الحساب الجاري بنحو 62,2 ملياراً، ومديونية إجمالية تجاه الدائنين الأجانب - خاصة في مجال إصدرارت السندات - بنحو 3 تريليون دولار..!