كتاب " حبة قمح " ، تأليف هاشم غرايبة ، والذي صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
منذ الأزل كان الأمر هكذا..
You are here
قراءة كتاب حبة قمح
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

حبة قمح
في التاسعة والثلاثين التقيتُها في «موسكو»، أعرف قليلاً من الروسية، وتعرف قليلاً من العربية، فوقعنا في سوء فهم ممتع أكثر من الفهم نفسه..
انقضت ثلاثة أسابيع من المشي تحت الثلج وفوق الثلج، ذهبنا إلى «السوم»، و«القوم»، ومحطة «سوكل»، وشارع «أربات».. وواجهنا فظاظة البرد بالحديث عمّا لا نعرفه جيداً، وكنّا فرحَين بالكشف عن هول ما لا نعرف.. ركبنا إلى كل محطّات المترو في «موسكو»، وقرأنا «بابلو نيرودا».. وغنينا معه: «عيناك لشدة عمقهما أخاف أن أنحني لأشرب»..
في اليوم الأخير، جاءت لتبوح بما ينبغي أن تبوح به منذ الأزل، فلم تجدني!
***
التاسعة والأربعون، التقينا في الجزائر، لهجتها جزائرية على فرنسية، ولهجتي أردنية على إنجليزية..
«عيناك عيناها، كذا كانتا، والوجه، ذات الوجه، لم يتبدل..».
مشينا في الجزائر العاصمة تحت المطر العصبي، عبرنا حي القصبة رغم التخويف الفظّ من الإرهابيين، ومشينا على شاطئ البحر رغم التحذيرات الفجّة من اللصوص والنشّالين.. ووقعنا في سوء الفهم اللذيذ، وكانت لدينا المزاعم ذاتها، واللغة المرتبكة نفسها.. وموعد مع البوح كنت أدرك أنه لن يأتي، فقد صارت الحكاية أكثر وضوحاً، والتوقّعات أكثر صرامة ودقة.
***
إنّها سِنّ التاسعة والخمسين، ابْيَضّت ظنوني، وصرت أكثر إدراكاً لقوانين المشي على الطريق..
التقيتها في «عماّن»!
تَرافَقنا على طريق «عمّان إربد» شمالاً.. اتّجهنا إلى «جرش»، و«عجلون»، ثم «إربد».. سِرْنا في طرُق زراعية غير نافذة، وعبَرنا قرىً متشابهة الفظاظة..
على مشارف قرية منسية تعطّلت السيارة!
وقفنا على قارعة الطريق صامتَين.. وما زلنا!