كتاب " شهقة اليائسين - الانتحار في العالم العربي " ، تأليف ياسر ثابت ، والذي صدر عن دار التنوير للنشر والتوزيع (مصر) .
You are here
قراءة كتاب شهقة اليائسين - الانتحار في العالم العربي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

شهقة اليائسين - الانتحار في العالم العربي
وفي نشرة إحصائيّة صادرة عن المعهد القوميّ الأمريكيّ للصحة النفسيّة عام 1981، تبيّن أنّ الاكتئاب بأنواعه يعتبر في مقدمة الاضطرابات النفسيّة كافة من حيث الانتشار(24). وفي بحث أجْـرِيَ عام 1957، لدراسة حالات الانتِـحار لوحظ أنّ 98% منهم كانوا يعانُون من أمراض نفسيّة أو جسمانيّة، وكانت أشهر الاضطرابات المصاحبة للانتحار، هي الاكتئاب وإدمان الكحوليّات. وعندما أجري بحث تتبعيّ للمقارنة بين مجموعتيْن: الأولى، مصابة بأمراض نفسيّة مختلفة، والثانية، مصابة بأمراض جسمانيّة، وُجد أنّ نسبة الانتحار في الأولى تصل إلى 5.5%، بينما في الثانية، لم تتجاوز 0.6%.
كما أثبتت دراسة أخرى أنّ 15% من مرضى الاكتئاب والانفصام ينتحرون، وأنّ 17% من المُـدمنين يُـمارسون هذا السلوك، وأنّ نسبة الانتحار بين مرضى الانفصام (الشيزوفرينيا)، تصل إلى 10%، كما تُوجد أعراضٌ اكتئابيّة لدى ثلثي مرضى الانفصام المنتحِـرين، ولهذا، يُـعتبر المرض النفسيّ من أقوى دوافع الانتحار، وتزيد خطورة الانتحار في المرضى النفسيّين من 3 - 12 مرّة، بالمقارنة بعموم الناس(25).
أمّا المدرسة المعرفيّة فقد صوَّرت الانتحار على أنّه رؤيا النفق أو التفكير غير المرن حيث إنّ الحياة مريعة ولا يوجد حلّ سوى الانتحار. والبعض رأى في الانتحار تعبيرًا عن البكاء الرمزيّ أو للفت الانتباه.
وهنا، يتمّ تفسير الانتحار على أساس وجود ألمٍ نفسيٍّ لا يُحتمل ويريد الشخص اليائس أن يخرج منه فيلجأ إلى الانتحار. وهذا ما لاحظه هنري موراي من أنّ الانتحار وظيفة؛ لأنّه يريد أن يُلغي توترًا مُؤلمـًا للفرد، وأنّه يقدم شفاء من معاناة غير مُحتملة(26).
ومن خلال الدراسات الاسترجاعيّة لتاريخ الأشخاص المنتحرين وُجِدَ أنّه كانت لديهم التخيّلاتُ التالية: الرغبة في الانتقام أو القوة والسيطرة أو العقاب. الرغبة في التكفير أو التعويض أو التضحية أو العودة أو الهرب أو النوم أو الإنقاذ أو الولادة من جديد أو التوحُّد مع أحد الموتى الأعزاء أو الحياة الجديدة. وكما يبدو، فإنّ هذه الخيالات برّاقة ومُغرية للشخص الذي يعتزم الانتحار، ويساعده على تنفيذها أو تفعيلها أن يكون واقعـًا تحت معاناة نتيجة فقدِ شخص أو شيءٍ عزيز أو نتيجة جرحٍ نرجسيٍّ مُؤلمٍ أو يكون مشحونـًا بمشاعر طاغية من الغضب والإحساس بالذنب، أو يكون مُتحدًا مع شخص آخر منتحر.
وتبدو العَلاقة بين الانتحار والاضطرابات النفسيّة موضوع نقاش مُطوّل. والمقبول في الوقت الرّاهن أنّ للمرضى العقليين نزوعـًا إلى التدمير الذاتيّ أقوى من نزوع الأفراد الأسوياء. فالفعل يمكنه أن يكون اندفاعيـًّا أو، على العكس، موضع تأمُّل طويل. والموت الإراديُّ متواتر بصورة خاصة لدى السوداويين، حتّى لدى أولئك الذين يبدون في مرحلة خمود، وغير نادر أن يرى المرء هؤلاء المرضى يسببون الموت لدى بعض أعضاء محيطهم.
ونُلاحظ بخاصة لدى المكتئبين، غير السوداويّين، محاولات انتحار. وفعل تدمير الذات، لدى الفصاميّين، طارئ اندفاعيّ، ترافقه تشويهات في بعض الأحيان، وبتر أعضاء يتحقق من دون انفعال ولا ألم ظاهر. ونواجه عادة لدى الهستيريين محاولات انتحار مشهديّة، ولكن يمكنها أيضـًا أن تؤدّي بهم إلى الموت(27). ومحاولات التدمير الذاتيّ لدى المصابين بعدم التوازن في الطبع متواترة، اندفاعيّة دائمـًا على وجه التقريب. كما أنّ الارتكاسات والنزعات الانتحاريّة متوافرة إلى حدٍّ كافٍ في حالات السكر الكحوليّ ولدى المصابين بالصّرع(28). ويضيف البعض إلى ذلك الأمراض المستعصيّة والأمراض العقليّة المُزمِنة(29).