قراءة كتاب شهقة اليائسين - الانتحار في العالم العربي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
شهقة اليائسين - الانتحار في العالم العربي

شهقة اليائسين - الانتحار في العالم العربي

كتاب " شهقة اليائسين - الانتحار في العالم العربي " ، تأليف ياسر ثابت ، والذي صدر عن دار التنوير للنشر والتوزيع (مصر) .

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 6

ويعزو التفسير النفسيّ الانتحار إلى طيّات التكوين النفسيّ(17). ومن روّاد هذه المقاربة صاحب مدرسة التحليل النفسيّ سيغموند فرويد، الذي يشير إلى أنّ الانتحار هو نتيجة إخفاق دوافع الفرد العدائيّة نحو التعبير عن نفسها، فتُوجّه نحو الفرد نفسه (أي اتجاه الذّات) لتدميرها (القتل)(18).

المفارقة أنّ الإنسان في الموقف الانتحاريّ «تتنازعه قوتان: قوّة القاتل، وقوّة القتيل معـًا، قوّة الجاني وقوة المجنيّ عليه في وقتٍ واحد»(19).

ويرى فرويد أنّ غرائز الموت تنشط في إطار نفسيّ، حيث يوجه المنتحر إرادته الكاملة في القضاء على نفسه، بمعنى أنّ الأنا يكون مكتمل الوجود في عمليّة الانتحار الذي يكون بمنزلة تأكيد لوجود الذات التي تصدر الحكم على الذّات المحكوم ضدّها.

وبالتالي يرى فرويد أنّ الانتحار عدوان تجاه الداخل، يستهدف موضوعـًا للحبّ تم استحضاره، وثارت نحوه مشاعر متناقضة من الحبّ والكره. فعلى سبيل المثال، فإنّ الشخص الذي يستحضر صورة أمّه بداخله ولكنّه يشعر نحوها بخليط من مشاعر الحبّ لرعايتها له ومشاعر الغضب والعدوان بسبب حرمانه منها في فتراتٍ معينة أو بسبب إحباطها له في مواقف أخرى، نجده حين يقتل نفسه فإنّه في الحقيقة يوجه العدوان نحو الأم المستحضرة في داخله نظرًا لغضبه وإحباطه منها. إذن فقتل النفس هنا يعني قتل شخص آخر داخل هذه النفس(20).

أمّا وقود تلك الدوافع العدائيّة فيتمثّل في حالات نفسيّة كثيرة كالاكتئاب، حيث عرَّفه ستور Storr أنّه مفهوم حالة انفعاليّة يعاني منها الفرد من الحزن وتأخّر الاستجابة والميول إلى التشاؤميّة، وأحيانـًا يصل إلى درجة الميل إلى الانتحار، وكذلك قد تعلو درجة الشعور بالذنب عند الفرد إلى حدّ أنّه لا يتذكّر إلا أخطاءه وذنوبه، وقد يصل إلى البكاء الحادّ(21).

وذهب في الاتجاه نفسه كارل مننغر، وهو من أتباع المذهب الفرويديّ، حيث أرجع السلوك الانتحاريّ إلى مجموعة من الرغبات هي:

1 ـ الرغبة في القتل (عدوان).

2 ـ رغبة الفرد في أن يُقْتَلَ (عقاب).

3 ـ الرغبة في أن يموت (استسلام)(22).

وبناءً على ما سبق، فإنّ نظرية التحليل النفسيّ للانتحار ترى أنّ شخصية المنتحر تعبّر عن تناقض صارخ وشديدٍ يتراوح بين مشاعر الحبّ والكراهية، ممّا يولد نزعة عدائيّة تراكميّة، تنتهي برغبة مُلحّة وجامحة بالقتل والموت(23).

ووَفقـًا لفرضيّة التّوحُّد ـ الخروج، فقد اقترح فرويد أنّ التوحُّد الشديد مع مفقود أو مرفوض، أو كما أوضح غريغوري زيلبورغ، فإنّ التّوحُّد مع أيّ فقدٍ مثاليّ (الحياة العمليّة ـ الحريّة ـ الصّحة)، يكون حاسمـًا في فهم الشخص الانتحاريّ.

وفي الانتحار، تختلط مجموعة من الأحاسيس مثل الانعزال واليأس والاكتئاب، إذ يشعر الإنسان بألم انفعاليّ لا يُطاق ولا يُرى حلًّا لذلك سوى الانتحار. ويعتبر الاكتئاب من أهمّ العوامل المرتبطة بالانتحار، حيثُ يُعدّ من أكثر التشخيصات النفسيّة التي لها عَلاقة قوية بالانتحار؛ لأنّ الفرد المكتئب شخصٌ يهجر الحياة ويرفضها ولا يجد أيّة لذّة بها وبالتالي يرفض وجوده وينبذه ممّا يدفع به إلى الانتحار، وقد ينتحر 15 % ممن يعانون من الاكتئاب الشديد.

Pages