You are here

قراءة كتاب الصراع الحضاري في الإبداع القصصي السعودي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الصراع الحضاري في الإبداع القصصي السعودي

الصراع الحضاري في الإبداع القصصي السعودي

كتاب " الصراع الحضاري في الإبداع القصصي السعودي " ، تأليف د.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 9

وهنا بدأت مشكلة الفنان السعودي، الذي راح يبحث ضمن صراع الحضارة عن أثر في نفسه يمكن أن يكون دافعاً للإبداع[16]، غير أن هذا الدافع- الذي هو نتيجة الصراع في الغالب-لم يتخذ هيئة الغضب والحقد الاجتماعي، إنما جاء طريقةً للتكيّف والارتقاء مستضيئة بطبيعة الفرد العربـي السعودي، وواقعه وقدراته ومفاهيمه الدينية؛ وكأنه بذلك اختار معركة مع الحضارة بعيدة عن التصادم والثورة؛ لتكون التفافاً حول قافلة التطور والوصول بنجاح إلى موازنة نافعة له ولمجتمعه.

وفي ضوء هذا يمكننا اعتبار الصراع الحضاري عنصراً قوياً في القصة- عنصراً يُفسر دوافع التنازع بين الإنسان والحضارات المختلفة- وفي القصة السعودية على نحو أقرب؛ حيث سمات المجتمع السعودي المتأرجحة بين الثبات التاريخي والتطور الواسع، مما أثر جلياً في كتّاب القصة الذين من شأنهم إعطاء صورة شبه وافية في أعمالهم عن حقيقة التصادم الحضاري القائم باستمرار بين ثوابت المجتمع والتأثيرات الحضارية المتعددة داخلياً وخارجياً، فنجد منهم من يقول عن وعي وتجربة: "من شروط القصة أن يتغلغل كاتبها داخل وجدان مجتمعه، أن يغوص ليُخرج المحار من الخضم المظلم، ومع ذلك فإن كاتب القصة لن يكتب قصة جديرة بالخلود ما لم يهضم الماضي الحضاري والسلوكي لبلاده ومجتمعه"[17]، وما ذلك الخضم المظلم إلا صورة للصراع الذي يعانيه الكاتب مع حاضره المتغيّر؛ مما يدفعه لمعانقة صراعه المتواتر مع الوقت، والذي يمر سريعاً بسبب مشاغله المتزايدة وهمومه المتراكمة للاندماج مع النمو الحضاري.

وإذا أخذنا في الاعتبار الاختلافات الذاتية والاجتماعية للكتّاب السعوديين، وتفهمنا حركة المدّ والجزر التي تنتابهم وسط صراعهم المستميت مع الحضارة، فسوف نجد اختلافاً بائناً في الاتجاه الغالب على نتاجهم الأدبـي من قصة ورواية، فمنهم من غلب عليه الاتجاه الديني الإسلامي، ومنهم من غلب عليه الاتجاه الاجتماعي أو النفسي، ومنهم من غلب عليه الاتجاه السياسي أو القومي وما إلى ذلك، وليس معنى هذا أن ينفرد كل عمل أدبـي بأحد هذه الاتجاهات متحرراً من بقيتها، فهي شبكة متداخلة مترافدة القوى لا تخلو من تبادل التأثير؛ لكن قد يُهيمن أحدها فيبرز كوجه أوّلي للعمل القصصي للفنان.

وتدعونا الحاجة هنا أيضاً لمعرفة الفرق بين أديب ومثيله في مدى التأثر بأنماط الصراع الحضاري من حوله، ويمكننا أن نلمس ذلك في حديث الكاتب ولغته التصويرية التي تختلف باختلاف المواقف والأحاديث والأحاسيس[18]، وتتنوع بواسطة مادته اللفظية ومخزونه الأسلوبـي وخبراته النفسية، وتلك قدرة لا تتسنى لكل فرد في المجتمع، بل تتباين من كاتب لآخر وفق ما يتمتع به من يقظة الإحساس، وعمق المعايشة للتجارب والصراعات.

والكاتب لا يقصر تجربته على مشكلات المجتمع، فمن حقه أن يستجيب للموضوعات الجمالية التي يلحظها في نفسه وفي الطبيعة وفي الأجواء الإنسانية، وهذا فرق آخر بينه وبين غيره في التأثّر بما حوله، لكننا نود هنا التأكيد على عدم إمكانية الفصل بين صراعات الكاتب الذاتية وصراعاته مع ما في مجتمعه وكونه، فنفس الأديب ما هي إلا نافذة يُطل بها على مجالات الحياة المتغيرة يستنشق منها الصراع المؤرق[19]؛ ليزفره في قالب إبداعي متناغم متصالح.

وهكذا فالكاتب القصصي السعودي هو أحد الأفراد القادرين على البوح والإفضاء إلينا بما تموج به نفسه من ألوان الصراع الحضاري بهمومه ومؤثراته الإيجابية، صادراً في ذلك عن مخزون تراثي ونفسي، استقاه عبر مراحل متعددة من بيئته ومجتمعه السعودي، بما فيهما من مقومات حضارية في ميادين السياسة والفكر والفن وغيرها، فالبيئة السعودية تتميز بمكانتها الدينية والاقتصادية والسياسية؛ مما أهلها لمجابهة التيارات الضخمة إثر الاحتكاك بين حضارتها والحضارات الأخرى.

Pages