كتاب " فتنة وحشمة " ، تأليف د. سامر سقا أميني ، والذي صدر عن منشورات ضفاف .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
You are here
قراءة كتاب فتنة وحشمة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
فتنة وحشمة
ثلاثة في واحد
سميح المهندس الشاب العازب يعود من عمله عصراً، يتناول طعام الغذاء مع والديه، ثم بعد قيلولة قد تطول وقد تقصر حسب الجهد المبذول في اليوم، يجلس على الشرفة ليمضي وقته في تأمل المارين في الشارع، وهو يستمع إلى إحدى أغنيات الست (أم كلثوم).
إنها عادة اكتسبها منذ أن بدأ عمله الوظيفي، ووجد فيها ملهاة له بانتظار أن يعثر على توأم روحه.
لقد جاوز سميح الثلاثين من عمره، ولا تزال والدته صابرة في البحث عن الفتاة التي تحقق شروط ابنها، شروطاً تزداد صعوبة مع مرور الأيام، حتى أنها أحياناً تشعر بالملل من كثرة زيارة العائلات في البيوت لرؤية البنات فتخاطب ابنها: بني، لقد شاهدنا نصف بنات الشام، أمن المعقول أنك لم تجد من تصلح لك زوجة حتى الآن؟!
يطرق سميح برأسه إلى الأرض، ويجيب باختصار: "الله كريم".
في هذا اليوم، وبينما كان جالساً جلسته المعتادة على شرفته التي تبرز في الطابق الأول من البناء، لمح بنات جيرانه يخرجن من البناء المقابل. إنهن ثلاث أخوات يسكنَّ في الطابق الثاني في مواجهته، وهو يسمع أحياناً أصوات كلامهن ومزاحهن مع بعضهن عندما يجلسن في شرفة بيتهن، ويمضين السهرات على ضوء القمر بين كلام وضحك.
لقد سبق أن تكلمت له أمه عنهن، فالكبرى بثينة هي طالبة في السنة الخامسة في كلية الطب، والوسطى سلمى طالبة في السنة الثالثة في كلية التجارة، والصغرى هلا طالبة في السنة الأولى في كلية الفنون الجميلة.
العلاقة بين أهل سميح وأهل الفتيات كانت رسمية، والتعارف بين العائلتين كان محدوداً.
إن مصدر معلومات والدة سميح عن الجيران كان إحدى الجارات التي كانت هوايتها المفضلة التنقل بين بيوت الجيران والتقاط الأخبار، ثم نشرها مع إضافة بعض المنكهات.
وعن طريق هذه الجارة علمت والدة سميح أن البنات عازبات، لذا فقد عرضت على ابنها زيارتهن لاختيار واحدة له منهن، ولكنه طلب منها التريّث فلعله بمراقبتهن عن بُعد يهفو قلبه إلى إحداهن.
إن منظر البنات الثلاث وهن خارجات من البناء يثير استغراب سميح في كل مرّة، فبثينة تلبس (مانطو) كحلي اللون، وتضع حجاباً يميل لونه إلى الزرقة، وجواربها سميكة بلون أقرب إلى البني، وحذاؤها بكعب منخفض.
لا تصبغ بثينة وجهها بأية ألوان، إنما تكتفي بوضع نظارة شمسية عند خروجها نهاراً.
أما سلمى فكانت تضع حجاباً أبيض اللون تتفنن كل مرة في شكله وتصميمه، فمرة تحيط بأطرافه رقبتها، ومرة تضع تحته ما يجعله مرتفعاً كطربوش الرجال.
في هذا اليوم كانت ترتدي قميصاً سماوي اللون، وبنطالاً من الجينـز الضيّق.
لم تكن من عادة سلمى أن ترتدي الجوارب، لذا كانت تبرز أصابع قدميها المصبوغة أظافرها بالأحمر من الحذاء المكشوف الذي ترتديه. كان الكحل يميّز عينيها الواسعتين، وكانت لا تستغني عن حمرة الشفاه، وبعض البودرة على الخدين قبل خروجها.
كان منظر الحجاب مع القميص الذي يظهر علامات حمالة الصدر، ومع الجينـز الضيّق الذي يصف جميع انحناءات وبروزات جسدها يبدو بالنسبة لسميح في قمة التناقض.