You are here

قراءة كتاب من الحطب الى الذهب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
من الحطب الى الذهب

من الحطب الى الذهب

كتاب " من الحطب الى الذهب " ، تأليف د.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 4

سوالف الجدّات خرافات وأساطير هي جزء من ماضيهم الطفولي ولكن أن تكون جزء من حاضرهم ومستقبلهم، فهو أمر غير مفهوم ويبعث على الحيرة! لقد عادت بـي الذاكرة لا إلى تونس فقط، وإنما إلى نيويورك حيث درّست في جامعتها الحكاية الشعبية العربية في شمال إفريقيا في السنة الجامعية 1999-2000. لقد كان ردّ الطلبة الأمريكيين مختلفا ولم يبدُ عليهم أيّ نوع من الاستغراب أو الحيرة لأنهم اعتادوا على دراسة الفولكلور العريق في الجامعات الأمريكية والغربية عموما. لكن بمجرّد أن تقدّمنا حصّة في التأصيل النظري والمنهجي لهذه المقارنة والغوص في دلالات هذه الحكايات ومضامينها الثقافية والتربوية التي لا تقلّ قيمة عمّا يوجد في أمّهات الكتب ومدوّنات علماء التربية والنفس، حتى طفق هؤلاء الطلبة في جمع السوالف من تراث أجدادهم ومحاولة ترجمتها ومقارنتها بالحكايات الفرنسية، خاصة حكايات بيرّو، ما حفّزهم أكثر على ذلك هو تمكينهم من وسيلة ناجعة لمزيد تعلّم اللغة الفرنسية وإتقانها.

فحكايات بيرو منجم ثمين يتوفر على كل جواهر اللغة الفرنسية النفيسة سواء فيما يتعلق بثراء الألفاظ أو جمالية الأسلوب أو تقنيات السرد وفنونه واستعمال أزمنة مثل ماضي الماضي (l’imparfait) والماضي التامّ (plus-que-parfait) وغيرهما من الأزمنة الغريبة عن اللغة العربية وعن طلبة يدرسون اللغة الفرنسية باعتبارها لغة أجنبية وغريبة عنهم ومختلفة اختلافا تاما عن العربية لغتهم الأمّ.

كما لا ننسى أنّ بيرّو (1628-1703) كان أديبا متميّزا في عصره ومن خيرة متعلّمي زمنه نال شرف العضويّة في الأكاديميّة الفرنسيّة التي لا يدخلها إلى اليوم إلّا صفوة العلماء من سائر الاختصاصات علاوة على أنه رجل قانون انصرف إلى نقل الحكايات التي عُرف بها من التراث الشعبـي الفرنسي إلى الفصحى، بعد أن تقاعد من وظيفته مستشارا متميّزا في بلاط الملك لويس الرابع عشر، في لغة فرنسية متينة فيها نفس تجديدي ونبرة تحديثيّة دافع عنها ضمن كوكبة من الأدباء كان ملهمهم ورائدهم. لقد وجدت ضالتي أنا وطلبتي في هذه الحكايات بوصفها وسيلة بيداغوجية ناجعة إن لم نقل أنجع الوسائل على الإطلاق للغوص في أسرار اللغة الفرنسية وجماليتها. ولا غرابة في ذلك حين نعلم أنّ أفضل طريقة- وهذا ما نعتقده دون مبالغة- لتعلّم لغة شعب من الشعوب، هي الاطّلاع على حكاياته وخرافاته في لغتها الأصلية، لا سيما زمن الصبا والشباب الأوّل.

وهكذا وجدت نفسي أقارن في هذا المقرّر حكاية "الغول والإخوان الثلاثة" التي استقاها عبد الكريم الجهيمان من التراث الشعبـي السعودي بحكاية الاصبع الصغير لبيرّو، ولكن حصة واحدة لم تكن لتفي بالحاجة لغزارة المادة المقارنة، لا سيما وأنه كانت لنا مادة سعودية وأخرى فرنسية تنتظر بدورها أن نهتمّ بها وقرّرت أن أترك الإبحار في هذه المقارنة إلى دراسة كاملة في متسع من الوقت وبعد بحث وتفكير.

ولدت فكرة القيام بهذه المقارنة إذن في هذا الظرف المخصوص من إقامتي بالمملكة وفي السياق الذي بدأ من فرنسا مرورا بنيويورك وتونس والبحرين، حيث نـزلت ضيفا لمدة أسبوع على وزارة الثقافة البحرينية للإشراف على حلقات تكوينية لثلّة من إطاراتها في جمع الحكايات الشعبية وحفظها وتصنيفها وتحليلها وذلك في متحف التراث الوطني في شهر مايو من سنة 2009، وصولا في نهاية الرحلة إلى الرياض.

Pages