You are here

قراءة كتاب مدار الكتابة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مدار الكتابة

مدار الكتابة

كتاب " مدار الكتابة " ، تأليف محمد بن ابراهيم الدبيسي ، والذي صدر عن

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 9

فيما يشيرُ عبد الرحيم أبو بكر إلى «نوعٍ من التنبه والإحساس الوطني، تمثَّل في تلك الحركة التي قام بها بعض أهل المدينة المنورة ضدَّ المحافظ التركي علي باشا مرمحين في عام 1324ه، حينما أراد هذا الأخير بغطرسته التركية إذلال أهل المدينة ببعض تصرفاته الحمقاء، وأدَّت تلك الحركة بالقائمين عليها إلى محاكمة كانت نتيجتها إدانة أربعين رجلاً من أعيان المدينة وعلمائها، وأمر السلطان بإبعادهم إلى الطائف مصفدين بالحديد، ولم يقبل شفاعة أحد فيهم لأنَّه أخذ عنهم فكرة سيئة، وهي إسقاط الخلافة العثمانية وإسنادها للعرب، وقد مكث أولئك الرجال في سجنهم ثمانية عشر شهراً»[14].

وقد ألقت هذه الحركةُ الثوريةُ بضلالها على حركة الأدب، وكان صنَّاع الثورة وقادتها وجهاء وأدباء مدنيين، فاض بهم الكيل تجاه تعنُّت الوالي التركي (علي باشا مرمحين)، الذي فرض الضرائب على أهل المدينة؛ فثاروا بقيادة الشاعر المدني أنور عشقي، وأطلقوا الرصاص على الوالي التركي، ومن ثمَّ استحثَّت الحركة الثورية أهل المدينة فهاجوا مرددِّين جملة شعارية- تعبِّر عن رفضهم له- باللهجة العامية، هي: (يامرمحين ياوجه القمله من قالَّك تعمل دي العَمْلَه).

ولم يرُق أمر الثورة للسلطان عبدالحميد فزجَّ بالثوَّار في (سجن القلعة) بالطائف وقضوا فيه سنة ونصف وتوفي بعضهم هناك، ثم نُقل من بقي على قيد الحياة منهم مكبَّلين بالحديد إلى مكة المكرمة وجدة، لترويع سكانهما، وقد عبَّر الشاعر أنور عشقي عن هذه الثورة، وتداعياتها

بقصيدة منها قوله:

نُساق للسجن لا جرامٌ نُدان به

إلا تلافيق زور من ذوي الفتن

كنَّا نطالب بالعدل الذي حُرمت

منه المدينة دار العدل والمنن

أيُّ الذنوب اللواتي نستحق بها

هذا العقاب سوى الإعراض والإحن

ما ضرَّنا غير قول الشامتين لنا

ذوقوا جزاءكم في السجن والوهن

قضت علينا الليالي وهي ظالمةٌ

بُعداً عن الأهل والإخوان والوطن[15]

وقد تضمَّنت قصيدةُ عشقي مطالب الثائرين وفي مقدمتها العدل، الذي يرى الشاعر أنَّ المدينة المنورة داره ومناره الأبدي، كما لخَّص مطالبه ورفاقه برفع الظلم عن أهل المدينة، ومواصلة الإصرار على الموقف الذي لم تزده أيام السجن إلا إصراراً وتأكيداً.

والشاعرُ وهو يوقنُ بشرف المكان/المدينة المنورة ورمزيته في احتضان العدل، والتعبير عنه عبر تاريخها الطويل؛ إنما يعيد تأكيد ما وقر في نفوس أهل المدينة من رفض الاستبداد والمطالبة بالحرية للإنسان والمكان.

ولم يكن الأسكوبـي أقل شأناً من عشقي في مواقفه السياسية وشعره المناهض للحكم العثماني، فكتب قصيدته التي منها قوله:

فهذه العُربُ والأتراك قاطبة

ما عندهم عِدَدٌ تكفيهم قدرا

فرخِّصوا لجميع المسلمين به

بل اكشفوا لهمُ عن صنعه السِّرا

وعندما نُشرت هذه القصيدة وتناقلتها الصحف أحدثت ضجَّةً في بلاد الشام وتناقلها أهل الشام وروَّجوا لها، وكانوا حينئذ يناهضون حكم العثمانيين؛ فطُلب الأسكوبـي إلى الأستانة بسبب هذه القصيدة، التي رأى فيها العثمانيون تحريضاً على مناهضة حكمهم وانتقاصاً من قياداتهم، فاستطاع الأسكوبـي إقناعهم بأنَّ الأمر ليس كما تصوروه.

ولكي يأمنوا شعره ويشتروا مواقفه، عرضوا عليه منصباً كبيراً فرفض، واختار العودة إلى المدينة المنورة[16].

ويعلِّق الدكتور الخطراوي على ذلك بقوله: «..لا يستطيع دارس الحركة الشعرية في الحجاز..إلا أن يضع الأسكوبـي في إطار عصر البعث العربـي في العصر الحديث الذي تحمَّل الكثير من أعبائه الشعراء، وبشرَّوا به وفتحوا عيون مواطنيهم على الشعور بالذاتية، والوعي بالمسئولية الوطنية تجاه أوطانهم»[17].

وهكذا كان الشعرُ المدنيُ- في ذلك العصر- يكسر نمط الامتثال والصمت والتسليم، ويمثِّل موقفاً معارضاً بوجه الساسة، ويعيد شحذ الهمم المتطلعة إلى الحرية، ويوجِّه الرأي العام آنذاك نحو مزيد من الإصرار على الخروج من ربقة حكم العثمانيين، والمطالبة بالعدالة والحرية.

وفي هذا السياق يرى عبد القدوس الأنصاري «أنَّ عصر البعث بدأ في أعقاب حرب الدولة العثمانية مع إيطاليا، وكانت بلاد العرب تموج بحركات الاستنكار، لا للتواءات الرجل المريض، كما تموج بحركات اليقظة والشعور بالذاتية، ونفخ شعرائها في أبواق التبشير بتفتح الوعي، وبانطلاقه من القيود واسترجاع مجده السليب».

وفي سياقٍ متصلٍ نسبياً بذلك، ذهب الشاعر عمر الداغستاني إلى مصر- وكانت مصر ملاذاً للأدباء الحجازيين آنذاك- وعندما ضجَّ في نفسه الحنين إلى المدينة، بعث إلى والده قصيدة يُحمِّلها حنينه وأشواقه إلى المدينة المنورة، ومنها قوله:

سقى الله جيران العقيق ولعلع

ملث سحاب هامع العطر هاميا

وحيا مغاني الأنس أوفى تحية

تدوم لهم ما دام شوقي وافيا

سقى ورعى أيامنا ولياليا

تمضت بوصل في حماها حواليا

لقد هاجني التذكار نحو ربوعها

كما هاجت الأرواح ورقاً شواديا[18]

Pages