كتاب " مناهج النقد الأدبي " ، تأليف صالح زامل ، والذي صدر عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع ، نقرأ من مقدمة الكتا
You are here
قراءة كتاب مناهج النقد الأدبي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
(3)دور الوسائط في استقبال المناهج النقدية
هناك بون شاسع بين نقد يقف على مرجعيات متكاملة أسست له وبين نقد يستعير الآليات ثم يتعرف على مرجعياتها لاحقا، لذا إن لم نعد أنفسنا مستهلكين، فثقافتنا بلا شك عاجزة عن اللحاق بالتحولات السريعة التي تمر بها اتجاهات النقد الحديثة ونحن نتأخر دائماً في التعرف عليها، وكثيراً ما يكون هذا التعرف بعد أن تستنفذ تلك الاتجاهات لأغراضها في ثقافتها الأصلية، ودقة هذا التعرف تكون قاصرة بل غير تامة وغير دقيقة، ولكن تحتاج لبناء فكر نقدي قادر على تمثل الفكر الغربـي.
لكن بعد كل هذا، هل تنتفي الحاجة للمناهج الغربية، يبدو من الصعوبة أن تقف الثقافة العربية بمعزل عن استقبال هذه المناهج الحديثة، التي يتيح لها حقل العلوم الإنسانية هذا الكم من التوالد، لكن هل كل هذه المناهج يمكن استقبالها بسلاسة وتمثلها تمثلاً نقدياً دون أن تكون مجموعة مصطلحات متنافرة، وتحضر نصوصها النقدية بحرفية النقل لمناهج هذا النقد، مع إيماننا أن الحاجة قائمة بالرجوع إلى المصادر الأولى لهذه الأدوات المفهومية.
لقد أثار التعرف على المفاهيم الفكرية الغربية الحاجة إلى تجديد النقد العربـي، ولكي يكون ذلك لابد من تجديد النظام المفهومي لنقدنا، أي "أنه لا يتحول إلى حداثة نقدية إلا عندما يستحدث جهازاً معرفياً يباشر به النص الأدبـي مثلما لم يباشره السابقون"[9].
لقد أثار الاستقبال واللقاء بالمناهج الغربية نـزوعاً واضحاً تضخم فيه البحث عن الذات عندما وقف النقد العربـي أمام المفاهيم العربية الموروثة موقف التساؤل والتفكير بجدواها، إلا أن البحث عن الذات يجد مرجعياته في مواجهة التحديث في العالم العربـي، ومنه العراق في المواجهة مع الاستعمار الذي حط من الإنسان التقليدي وهو بهذا الحط أخذ وجهة إيجابية بالنسبة للشعوب، لأن التحطيم للتقليدي يفترض بناء جديدا، وهو يأمل من هذا البناء أن يصل بواسطة الحداثة إلى نوع جديد من المغايرة مع التقليدي ليصنع محددات لهويته الجديدة، والأمثلة على ذلك كثيرة خاصة عند النخب الثقافية، فقد اخرجوا الفكر العربـي من منطقة التقديس التي تلغي كل الحوارات إلى الطابع التاريخي الذي يقبل بتراتب الأشياء، وتبدلها، وتجددها، وحوارها، ففي مواجهة الاستشراق والتبشير مثلا عمدت هذه النخب إلى المحاججة العلمية لكي تظهر أن الإسلام منظومة مرنة تقبل التكيف والحضور في أزمان مختلفة وبوقائع متباينة، وحاولوا إعادة إنتاج وإحياء الكثير من المقولات والمفاهيم التراثية ليجدوا لها وصلاً بالحداثة من خلال إعادة تأويلها، وقد أفاد هذا الغربال بقدر ما أساء، إذ للآن مازالت الحاجة ماسة لإعادة النظر بالكثير من المسلمات والأسس التي ترتكز عليها مفاهيمنا وذلك لا يكون بدون مرجعيات معرفية قادرة على أن تؤسس لمناهج نقدية أو على الأقل تمثل ما وصل إليه النقد أممياً.
إن النظر في الخطاب النقدي العراقي يقودنا إلى تميّز نصوص نقدية تكاد تكون متواصلة في بنائها التاريخي بسيرة أفقية منذ أوائل القرن الماضي:
1- نصوص أسست لأوليات النقد في العراق وكان وجه عنايتها خطاب نهضوي.
- نصوص التأسيس ومرجعياتها التراث العربـي القديم، وفكر النهضة في العالم العربـي.
2- نصوص كان جزءاً من عنايتها ومرجعياتها النظرية النقدية الغربية أفادت من المفاهيم الإجرائية وطبقتها حرفياً على النص الإبداعي العربـي.
3- نصوص تأصيلية كانت عنايتها النهوض بحداثة عربية متمثلة للمنجز الغربـي.