You are here

قراءة كتاب الفلسفة والنسوية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الفلسفة والنسوية

الفلسفة والنسوية

كتاب " الفلسفة والنسوية " ، تأليف كوكبة من الباحثين ، اشراف وتحرير د.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 7

منعرج القرن العشرين والحركة النسوية

مثلت نهاية القرن التاسع عشر ثورة فكرية أساسها التيار النسوي في أشكال تنظيمية، تعيد الحق والاعتبار للمرأة في مستويات عدّة ومختلفة كالعدالة الاجتماعية والمساواة السياسية بين الرجل والمرأة. وتمثل المنعرج تحديدا جديدا في المطالبة بالحقوق، ناهيك أنّ المرأة أصبح مطلب الاعتراف بها كمواطن، وهو أحد أهمّ مطالب هذه الثورة. إنّ المواطنة، كمفهوم أسست له أنوار القرن الثامن عشر، تدعو إلى عقد أساسه أنّ القانون هو المنظم للحياة الاجتماعية وأنّ الأفراد متساوون بمقتضى هذا العقد. فلا عبودية ولا تبعية، بل أنّ المواطن له حقوق وواجبات. وهو نفس المبدأ الذي يسري على المرأة، بل أصبح من حقها أن تنتخب وأن تكون على رأس أهمّ المناصب. فمنذ 1880 وقعت نقلة هامّة في الحركة النسوية في فرنسا. فبعض النسوة "استطعن أن ينفذن إلى وظائف كانت في ذلك الوقت حكرا على الرجال" وفي ذلك إقرار بقدرة المرأة على أن تكون لها قدرات تثبت حسن تفكيرها.

لقد مثلت هذه الفترة وحتى الحرب العالمية الأولى، فترة اتساع الصراع بين اليمين واليسار حول قيم الجمهورية والديمقراطية التي وجب إرساؤها. فدخل الفرنسيون في نفق وجدال حول أية قيم تكفل قيم الجمهورية. فتراوحت المقترحات بين الحلم الروسوي في الديمقراطية وبين فكر يشدّ إلى الوراء أساسه أنّ الرجال أقدر على أن يصوغوا ويطبقوا القوانين وقادرون أيضا أن يضعوا قيم الجمهورية.

لقد مثل الفكر الروسوي حجر عثرة أمام حضور المرأة، بل أنّه مثل حاجزا أمام إمكانية تحررها، وهو القائل فيها: "أنظروا للمرأة فقط كوسيلة للعب وفي ذلك تحقّق لرغبات الرجال."

أمام هذا التصوّر الروسوي، ظهر المفكر أوليمب ادوارد من خلال كتابه طبّ النساء Gynécologie حيث تعرض للمرأة في العصور القديمة. فقدّم نقدا لفكر روسو، إذ رأى أنّ هذا الأخير لم يفعل سوى تشبيه المرأة باللعبة، التي يستأنس بها الرجال حتى يجدوا توازنهم، وفي ذلك إقرار بأنّ حياة الرجال مليئة باللعب أكثر من امتلائها، بل هي خاوية من الأبعاد الأخلاقية. إقرار يقدّمه المفكر أوليمب ادوارد يقرّ ضمنيا بأنّ المرأة نحاسبها بنوايا ورغبات الرجال، لا بما تقوم به حقيقة. إنّ هذا الوهم والأحكام المسبقة في حق المرأة تبرهن أنّ روسو، واضع أسس التربية الحديثة، هو عينه من أقدم على ترك أولاده، بل ألقى بهم على قارعة الطريق. وفي ذلك تشكيك في كلّ القيم التي تبناها، وأنّ أحكامه على المرأة لا تعبر إلا عن سلطة رجولية ترفض الغيرية التشاركية.

وهذا ما يدفعنا إلى طرح سؤال: لماذا لم يمتثل روسو إلى مبدأ المساواة الذي تحدّث عنه في كتابه العقد الاجتماعي ومحاولة تطبيقه في مسألة المساواة بين الرجل والمرأة؟ ولماذا استثنى روسو المرأة في مسألة المساواة وهو الذي تحدّث عن المساواة كقيمة في عقده الاجتماعي؟

إجمالا، الحركة النسوية تدين كلّ ما قدّمه روسو من تصوّرات سلبية تجاه المرأة، بل أننا أصبحنا نتحدّث في القرن العشرين عن المرأة المثقفة. ولقد عرف هذا القرن ثورة، كانت المرأة فيها رائدة في الدراسة والتدريس والتعريف بقدراتها وملكاتها الفكرية من أجل تحطيم قيْد أرسى دعائمه الفكر الروسوي حينما اعتبر في كتابه إميل "أنّ المرأة جُعلت لتمتثل لغبات الرّجل، بل لتسهر على سعادته". وكأنّ الفكر التنويري ظلّ مشوّشا وكأنّنا ننتظر دافيد هيوم لينقذنا من سباتنا العميق ويرشد فكرا ذكوريا يستند إلى وتد الأنا في برجه العاجي، طلبا للمكانة وتمسكا بالكامل ليُقسم العالم إلى فكر ذكوري ووجد أنثوي. إنّ إميل وإن كان ذكوري المسعى، فإنّ من يُضفي الدلالة والقيمة عليه تظلّ حروف أنثوية. فالألف يظلّ فاتحة حروفنا الأبجدية، ومن ثمّة كانت الأنثى حبلى بالمعاني والدلالات، وما على الرجل إلا ان يتدثر بها.

إنّ هذه الفكرة حاولت الباحثة الألمانية إندنشانخ A. Eindenschanck في مقالها "المرأة الحديثة" أن تب دّدها وتجعل منها نواة واساس نقد لاذع موجّها إلى الروسوية، ومن خلاله إلى سقراط حيث أكدت أنّ هذين العالمين قدّما فهما سيئا لحظة مزجهما بين الفضيلة والجهل ما قد أضرّ بالمرأة ككيان وبالفكر الإنساني كمطلب يعي الكثرة والتنوّع والاختلاف دفعا لكلّ خلاف وأنّ مشكاة الأنوار ليست إلا جملة من الثنايا وإن تقاطعت فإنها تلتقي في آدم وحواء، عنصرين أساسيين للحياة.

إنّ هذه النـزعة الرافضة للتوجه الروسوي السفسطائي الساعى في طلبه للفضيلة والسعادة المطلقة اجتماعيا من جهة وفي اقصاء المرأة من جهة ثانية، ما يتعارض مع معنى القيمة في حدّ ذاتها. إذ هي غايةن سبلها متفرعة وما تناسي هذا الدور المكمل للمرأة إلا تأكيدا إلا على أنّ إميل عنيد إلى حدّ أنّه يتناسى أنّ الجمال مفردة أنثوية، وهو ما أكدت عليه الباحثة جان ديفلو Jeanne Deflou بقولها أنّ روسو جبار وأنّ إميل عملاق رجلاه من صلصال، وأنّ السعادة ليست حكرا على ذكورية، كما أنّ المرأة ليست وسيلة وإنما تدرّج نحو الفضيلة، وما على الرجل إلا أن يحسن التفكير فيها. توحي لنا هذه الفكرة بالنصّ الكانطي، حيث أنّ الفكر انبجاس وموشور يحمله عابر طريق ليهتدي في ظلمة هي إلى الكهف الأفلاطوني أميل، بمعنى أن نفكر هو أن نحسن التفكير بأنفسنا، وأنّ التفكير دُربة والخطأ هو السبيل للتمكن من ناصية المعرفة القويمة. فلم لا نخطأ، ويخطأ الرجل حتى يُرشد فكره ويعي أنّ الأنا ليس إلا مرحلة من النحن التي يلتقي فيها كلّ من المرأة والرجل على قيم تربوية تكون حاضنة لأسرة مدنية. أليست المواطنة فعل مشاركة في الحق والواجب، والمساواة والعدالة الاجتماعية؟ أليس هو واجب المجتمع المدني أن يعي دلالة الثورة بما هي حرب ضدّ صنم لا دلالة له إلا التعنت وفقدان المعنى، ما يستدعي إعادة النظر في التربية التي يحملها إميل وعلى أية أسس ومنطلقات تنظر إلى الأفراد.

Pages