You are here

قراءة كتاب الفلسفة والنسوية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الفلسفة والنسوية

الفلسفة والنسوية

كتاب " الفلسفة والنسوية " ، تأليف كوكبة من الباحثين ، اشراف وتحرير د.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 9

المرأة من موضوع رغبة إلى صانعة للمعرفة

إنّ السؤال الذي يُطرح حقّا في مسالة إحاطة المرأة بالمعرفة هو لماذا نمثل حضور المرأة في المجال المعرفي حضورا محتشما؟ لماذا لا نعرف الكثير من النساء في حقل المعرفة حتى يُصنف الفكر الجماعي بأنّ المعرفة دائما خاصية رجولية؟ إنّ ما نريد الوقوف عنده ونحن أمام هذا السؤال هو التذكير بأنّ المرأة لم تغب في تاريخ حركة العلوم وإنّما وقع تغييبها وإقصائها. ففي كتابات إيريك سارتوري Eric Sartori وخاصة في مقاله "تاريخ النساء العلمي"، أكد هذا الأخير على أنّ الإقصاء ماثل في المجال المعرفي، كما في المجال السياسي، بل أنّ مكانتهنّ بقيت في ثنايا الرجل وأنّ الرجل هو الأقدر معرفيا.

إنّ الرجوع إلى الحقل التاريخي، وتحديدا القرنين التاسع عشر والعشرين، يمكننا من اكتشاف ثنايا خطيها المرأة باقتدار، رغم أنّها حُرمت من كلّ حق في المعرفة. فلم يكن ذلك إلا تحدّ لتثبت جدارتها وقدرتها على مقارعة الرجل في الحقل المعرفي، عصامية كانت لرفض الجامعات لها. فكانت عالمة فلك ورياضية، وتجيد حروف الفيزياء وتجاربها واكتشفت الكثير من التجارب، رسخها التاريخ في هذه المجالات العلمية، وكأنّ عصر التنوير الفكري الحقيقي كان القرن العشرين. هذا المنحى الجديد والمسار المحفوف بالمخاطر الذي شقته المرأة لتثبت أنّ ما نحتته المدينة اليونانية اجتماعيا وفكريا والذي تغذت منه فيما بعد الجامعات الغربية وحتى اليوم، ليس إلا وهْما. فقد لعب أرسطو دورا كبيرا في بناء هذا الفكر الغربـي القائم على اعتبار المرأة أقلّ مرتبة من الرجل فكرا وقدرة.

لقد مثل علم الفلك من العلوم التي بادرت المرأة بالاهتمام بها في بداية الأزمنة الحديثة، خاصة في ألمانيا فيما بين 1650 و1750 مثلت المرأة المهتمات بهذا العلم 14 بالمائة.فلنذكر على سبيل المثال ماري فينكلمان كيرش Marie Winkelman Kirch (1670-1720)، فقد أبدعت باختزال وإعادة احتساب جدول فلكي ليوهانس كيبلر، صاحب الثورة الفلكية إلى جانب غاليليو، بل أنّها قامت بكتابة ثلاثة مسائل فلكية. وهذا غن دلّ على شيء فإنّه يقدّم صورة للمرأة تكتسح المجال العلمي باقتدار وتعيد به تذكير ذاكرة ذكورية، بأنّ البحث والمعرفة ليست حكرا، بل حسن تدبّر. وما هذه العبقرية ماري فينكلمان، التي اكتشفها لالند Lalande، إلا امرأة تُضاف إلى عدّة نساء أخريات على غرار كارولين هيرشل Caroline Herschel (1759-1848)، التي اهتمت بدراسة المقربة télescope وقد تمكنت من صياغة مجلد في الفلك والنجوم. أليس هذا كفيلا بأن نعيد النظر في تصنيفات كلاسيكية سعت إلى إدانة المرأة واعتبارها فاقدة للقدرة على الإبداع، أليست هذه المجالات العلمية، كعلم الفلك والفيزياء والرياضيات من العلوم التي تمثل نواة التقدّم. وإذن تمثل المرأة، بنفاذها إلى هذه العلوم، شريكا في الحركة المعرفية والعلمية.

إنّ تعاظم دور المرأة في هذه المرحلة من تاريخ البشرية، كان نتيجة اغتراب أدركت أنّ الخلاص منه لن يكون إلا بخوض هذا الصراع على أصعدة مختلفة. ففي الوقت الذي بدت فيه النساء تأخذن نصيبهنّ في هذه الفسيفساء المعرفية والعلمية لرؤيتنا للعالم، الذي كان حكرا على الرجال ولا يزال، فقد اعتمدن الشك طريقا، فرفضن وضعهنّ بما هو آخر سلبـي وعدمي، ورفضهنّ المشاركة السالبة التي كانت تعني التخلي عن اتخاذ القرارات في لحظة كان فيها الرجل سيّدا، وهو من يرعى ماديا المرأة، وهو من يتكفل في النهاية بتبرير وجودها. إنّ التحرّر من هذا الخطر الميتافيزيقي هو شرط إمكان تمكنها من الإبداع. وما النفاذ إلى المعارف والعلوم إلا هذه الطريق الملكية لهذه الحرية، وانّه درب محفوف بالمخاطر. وذلك هو معنى الشجاعة التي لا تعني بالنسبة للمرأة نقيضة للخوف، بل تعني الشجاعة على تحمل المسؤولية والإيمان بأنّ التحرّر فعل يُدرك ذاتيا دون عون. وبالفعل فإنّ كلّ فرد يتوق إلى إثبات نفسه بما هو ذات مستقلة، وهو شوق إيتيقي يوحي بتنصل من إرث وثني كانت فيه المرأة فريسة أهواء وإرادات ذكورية، ومحرومة من كلّ كرامة إنسانية. إنّ الالتزام بخوض هذه الثورة يجعل من هذا الدرب، رغم مخاطره، طريقا محمّلا بالآمال تضطلع فيه المرأة بحريتها. نعم، بحريتها. لا دساتير ولوائح تُكتب وتُنقش في ذاكرة رجولية، بل تجربة وجودية تخوضها بكلّ ثقة.

إنّ إنسانيتنا المشتركة أي واقعنا الاجتماعي يتعرض إلى تحديات وحشية، نظرا للتجاهل الكلّي لما تقدّمه المرأة في الحقول العلمية. انجازات يقابلها تنكر وعنجهية ذكورية في مقاربة انعزالية ترفض التنوّع والمشاركة. ولهذا فإنّ من ضرورات خوض تجربة ثورية أن تتحمل المرأة مسؤوليات الاختيار والتفكير حتى تتجاوز كلّ عنف فكري يقصيها ويحرمها حقها في الإبداع.

إنّ حتمية الصراع من أجل الاعتراف تبقى شرط إمكان بناء شخصية مستقلة تؤكد نفسها بما هي ذات لها فرادتها، وليست آخرا مجهولا. إنّه صراع تشكل منه القرن التاسع عشر ويتشكل كلّ يوم أمام التغييرات الفكرية التي نحياها، وأمام طغيان بعض التصوّرات الموغلة في التعصب. صراع من أجل تملّك وسائل عينية وعملية تحصّن المرأة من كلّ غلو ومن كلّ خطر ذكوري ومنطق السيادة لديه. هذا الخط من التفكير يدعمه كثير من نسوة وعيْن بأنّ الإبداع في الحقول المعرفية والعلمية هو لبنة من لبنات البناء الاجتماعي والتشاركي

Pages