قراءة كتاب السفر مع الجن

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
السفر مع الجن

السفر مع الجن

قدّم جمال محجوب في روايته «السفر مع الجن»، (ترجمة أسعد الحسين، نينوى، دمشق2011)، سيرة مهاجر في أوروبا، يرتحل بين جنباتها، ويسوح في مدنها، يستكشف معه جماليات القارّة وأسرارها.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 10
(هيا يا ايلين أنا آسف) قلت
 
( أين كنت، جنازتك، لا أسوأ من ذلك وتتأخر)
 
(ها أنا هنا الآن، انظري، أنا آسف)
 
انتظرت حتى هدأت موجة تشنج أخرى ( كلا، ليس الأمر كذلك ولا علاقة له بذلك) كانت تدمدم وتزمجر دون اتساق. حاولت أن أهدئها.
 
(ايلين، إنه طفلنا. لا تثيري شجاراً بيننا فأنت بحاجة إلى قوتك)
 
(منافق، تريدني الآن أن أكون عقلانية)
 
التفت إلى أمها التي كانت تهز رأسها وكانت الممرضة تنقل نظرها بيني وبينها محاولة أن تعرف أينا أقل جنوناً، حاولت أن أبدو منطقياً.
 
حين أنظر للخلف تبدو كل الأوقات الطيبة قد انمحت من ذاكرتي وكل ما أتذكره هو الصراعات فقط. نفس المواصفات التي جذبتني إلى ايلين من تهور جامح وروح عالية أبعدتني عنها في النهاية. ربما تقول هي نفس الشيء لكن متى بدأت الأمور بالفشل؟ متى بدأنا بعدم مسامحة بعضنا وبدأنا بمحاولة فرض الألم؟
 
(هل سيكون المخاض طويلاً؟) قالت كلير بصوت يشبه صوت الدجاجة في حسرة كما لو أنها كانت تنتظر قطاراً تأخر وصوله ثم جلست لتنزع إبر حياكة وكرة من الصوف من حقيبتها. كانت كلير راضية بما يكفي لكنها قلقة نوعا ما، كيف نجحت في نسيان كل ما تعلمته عن عمل الأم في الثلاثين سنة الغريبة منذ أن ولدت ايلين. المرات القليلة التي حاولت أن تكون فيها جليسة أطفال في السنوات السابقة انتهت بكوارث مدوية. خافت وقلقت واحتاجت إلى تعليمات مكتوبة لكل شيء-أين مكان الثلاجة وفي أي وقت تبث فيه مسلسلاتها المفضلة، استغرق ذلك منا وقتاً طويلاً للخروج من البيت لذلك كان تأخرنا محتماً و لم نجد سوى مقعدين تركا في الصف الأول من صالة السينما كل واحد منهما في طرف مختلف من الصف ولم نتمكن إلا بالتلويح لبعضنا بأيدينا حين أطفأت الأضواء. ووصلنا إلى البيت، كانت مخبلة ومضطربة، تذرع البيت ذهاباً وإياباً مع شرطي في صحبتها وتحمل طفلاً متسخاً ومتعباً وجائعاً بذراعها وتبعده عنها.
 
تصرفت الممرضة المقيتة كعادتها، نظرت إلى ساعتها وأخبرتني فجأة بأن دوامها انتهى. ايلين التي كانت تزحف على الأرض وتحاول أن تجد وضعاً مريحاً، انهارت الآن، زمجرت وبصقت وشتمت المهنة الطيبة وسط موجات الألم بينما كنت أجاهد لأدخل ذراعي في الرداء الأخضر وأضع القبعة على رأسي بنفس الوقت لكن دون أن يكون لدي أي فكرة عما سأقوم به بعد ذلك.
 
(والآن ماذا بعد؟)
 
(لو أنك اهتممت بدروس قبل الولادة) تمتمت كلير، التي بدت دائماً مطلعة بشكل جيد على ما كان يدور بيننا بشكل أكبر مما توقعت.
 
عندئذ دخلت قابلة منتصبة لها ورك مربع وتولت المهمة بشكل جيد. لا أستطيع أن أتخيل بأن يصل أغلب آباء المواليد المنتظرين إلى تبادل اللكمات في غرفة الولادة. ازدادت الانقباضات في الشدة والتكرار وأصبحت ايلين أخيراً عاجزة عن منعي من حضور ومشاهدة مولد طفلي. مددت يدي بسهولة فأخذت بيدها المرتخية. لا يزال أمامنا ساعتان ونصف أيضاً. لكني أتذكر بأنها حدثت بسرعة كبيرة وبأسرع مما تخيلت. قمت بما أعددت نفسي له، مسحت جبينها وأمسكت بيدها وهمست بكلمات تشجيع. كانت عيونها بارزة ووجها ملتو من النوع الذي يمكن اعتباره حقداً بالخطأ بدلاً من جهد الألم المبرح. في النهاية، غابت عن الوعي لذلك التفت الممرضة إليَّ وقذفت بالمخلوق الصغير بين ذراعي لأعتني به.
 
(نحن بحاجة إلى مط أرجلنا) قلت
 
(هذه محطة وقود) قطب وجهه بقناعة شخص تشرب بمنطق العالم ويشك الآن بعقل دليله الموثوق. (لا يوجد هنا مكان نذهب إليه)
 
(هناك) أشرت إلى مكان خلف الأشجار
 
بينما كنا ماشيان عاد وسأل أين نحن ذاهبان. سؤال توقعته، لم يكن يقصد هذه اللحظة أو هذا المكان ولم يكن لدي جواب.

Pages