كتاب " المحبات الأربع " تأليف سي . أس .
You are here
قراءة كتاب المحبات الأربع
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
إنَّما الآنَ يجب أن نُلاحِظ أنَّ المَحبَّاتِ الطبيعيَّةَ تدَّعي هذا الادَّعاءَ التجديفيَّ ليس عندما تكون في أسوإ حالاتها الطبيعيَّة، بل عندما تكون في أحسنِها؛ عندما تكون ‘‘خالصة’’ أو ‘‘نبيلة’’، على حدِّ وَصفِ آبائنا لها. وهذا واضحٌ خُصوصًا في الميدان الجنسيّ. فإنَّ الشَّغَف المُخلِصَ والمُضحِّيَ بالذَّات على نحوٍ أصيلٍ سيُخاطِبنا بما يبدو وكأنَّه صوتُ الله. أمَّا مُجرَّدُ الشَّهوة الحيوانيَّة أو العابثة فلن تفعلَ هكذا. ذلك أنَّها لا بدَّ أن تُفسِدَ مُدمِنَها بعشرات الطُّرق، ولكن ليس بهذه الطريقة. فقد يتصرَّف الإنسان بُمقتضى مشاعرَ من هذا القبيل، ولكنَّه لا يستطيع أن يُوقِّرَها أكثر ممَّا يوقِّرُ شخصٌ يشعرُ بحَكَّةٍ مَن يهرشُ جلدَه! كما أنَّ انهماكَ امرأةٍ سخيفةٍ وقتيًّا في تدليل ولدها، وهو في الحقيقة انغماسٌ ذاتيّ- حيثُ تَحسب الولدَ دُميَتها الحيَّة مُدَّةَ دوامِ نَوبة التدليل- قلَّما يُرجَّح أن ‘‘يصيرَ إلهًا’’ كما قد يصير التكرُّسُ العميقُ الوثيق من قِبَل امرأةٍ ‘‘تعيش لأجل ابنها’’ (بمعنًى حرفيٍّ تمامًا).
وأنا مَيَّالٌ لأنْ أعتقد أنَّ نوع محبَّة المرء لوطنه ذاك الذي يُحدِثُه شربُ البيرة وسماعُ الفِرَق التي تعزفُ الآلات النُّحاسيَّة لن يدفعَهُ إلى إلحاق كثيرٍ من الضَّرر بالوطن (ولا إلى إسداء كثيرٍ من الخير في سبيله). وربَّما تبدَّدَتْ تلك المحبَّة تمامًا بطلب شرابٍ آخر ومُشاركة الجوقة.
ثُمَّ إنَّ هذا بالطَّبع هو ما ينبغي أن نتوقَّعه. فإنَّ مَحبَّاتِنا لا تُصرِّح بادِّعائها الأُلوهة قبل أن يصيرَ هذا الادِّعاءُ معقولًا ومقبولًا. وهو لا يصيرُ هكذا قبل أن تصيرَ المحبَّاتُ شبيهةً شَبَهًا حقيقيًّا بالله، بالمحبَّة ذاتِه. إنَّما لا نَغلطْ هُنا. فإنَّ ‘‘محبَّاتِ المَنح’’ لدينا هي بالحقيقة مُتشبِّهة بالله؛ وبين هذه المحبَّات أكثرُها تشبُّهًا به هي تلك الأكثرُ لامحدوديَّةً وعدمَ كَلََلٍ في العطاء. وكلُّ ما يقوله الشُّعراءُ عنها صحيح. فإنَّ ما يُواكِبُها من فَرَحٍ وطاقةٍ وصبرٍ واستعدادٍ للصَّفح، و تَوقٍ إلى خير المحبوب، هو كلُّه حقيقيٌّ وصورةٌ تَكاد تُعبَد للحياة الإلهيَّة. وفي حضرتها نحنُ على حقٍّ بأن نشكرَ الله على ‘‘إعطائه البشرَ قُدرةً كهذه’’. ولنا أن نقول، بكلِّ صدقٍ وبمعنًى مُدرَك، إنَّ أولئك الذين يُحبُّون محبَّةً عظيمة ‘‘قريبون’’ من الله. ولكنَّ ذلك بالطبَّع ‘‘قُربٌ بالمُشابَهة’’. وهو لن يُنتِجَ من تلقاء ذاته ‘‘قُربَ اقتِراب’’. فإنَّ المشابَهة قد وُهِبَت لنا وَهبًا. وليس لها من ارتباطٍ ضروريٍّ بذلك الاقتراب البطيء والمؤلم الذي يجب أن يكونَ مَهمَّتنا الخاصَّة (وإنْ كانت لا تتمُّ بغير مُساعَدةٍ على الإطلاق). غير أنَّ المشابَهة، في أثناء ذلك، هي أمرٌ رائع. ولذلك يمكن أن نَحسبَ مُخطئين أنَّ شبيهَ الشيءِ هو الشيء ُنفسُه. وقد نقدِّمُ إلى محبَّاتِنا البشريَّةَ الولاءَ غير المشروط الذي نحن مَدينون به لله وحده. عندئذٍ تصيرُ تلك المحبَّات آلهة؛ وتصير بذلك شياطين، وإذ ذاكَ تُدمِّرنا، كما تُدمِّر أنفُسَها. فإنَّ المحبَّاتِ الطبيعيَّةَ التي يُسمَحُ لها بأن تصيرَ آلهةً لا تبقى محبَّات. إنَّها ما تزال تُدعى هكذا، ولكنْ يمكن أن تصيرَ في الواقع أشكالًا مُعقَّدةً من البُغض.
أمَّا ‘‘محبَّات الاحتياج’’ لدينا فقد تكون جَشِعة ومُتطلِّبة جدًّا، ولكنَّها لا تنحو لأنْ تكونَ آلهة. فهي ليست قريبةً إلى الله قُربًا كافيًا (بالمُشابهة) حتَّى تسعى إلى ذلك.