الروايتان " السعادة الزوجية وبوليكوشكا " ، تأليف ليو تولستوي ، اصدار
You are here
قراءة كتاب السعادة الزوجية وبوليكوشكا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
وتابع سرجي ميخائيلوفتش كلامه فقال:
- طبعا. لا أتمنى الآن إلا أن «أبقى جالساً». أما الزواج فيتطلب شيئاً آخر. اسأليها هي (أشار إليَّ). إنها المرشّحة للزواج. أما نحن فلا يكاد يحق لنا إلا أن نبتهج بسعادتها.
أدركت في صوته نوعاً من حزن خبيء، ونوعاً من جفاء لم يخف عني. ولبث صامتاً لحظة. ولم نقل أنا وكاتيا شيئاً. وأردف سرجي ميخائيلوفتش يقول وهو يدور على كرسيه:
- تخيَّلي مثلاً أنني ارتكبت خطأ غريباً فادحاً فتزوجت فتاةً عمرها سبعة عشر ربيعاً هي ماش... ماريا الكسندروفنا. هذا مثال كامل، يسرني أن أقع عليه. هذا خير مثال ممكن.
أخذت أضحك من دون أن أفهم ما الذي يسرّه هذا السرور كله، وماذا كان يريد أن يقول.
قال لي مازحاً:
- اعترفي وأنت تضعين يدك على قلبك: ألا يكون بلاء لك أن تربطي حياتك بحياة شيخ سئم الحياة ولا يريد إلا أن «يبقى قاعداً»، على حين أن الله وحده يعلم ماذا يختمر في نفسك وماذا تشتهين وتتمنين.
شعرت بحرج، وصمت لا أدري بماذا أجيب.
فأضاف يقول ضاحكاً:
- لست أصارحك بحب، ولكن قولي لي صادقةً: هل بزوج مثلي تحلمين حين تتنزّهين في ممر الأشجار وحدك عند طلوع الصباح؟ ألا يكون مثل هذا الزواج شقاء لك؟
بدأت أقول:
- ليس شقاء...
فبادر يتم جملتي فقال:
- ولكنه ليس سعادة...
- قد أكون مخطئة...
فقاطعني مرة أخرى قائلاً:
- أرأيتِ؟ وهي على حق تماماً، وإني لأشكر لها صراحتها، وإني لسعيد جداً بأن هذا الحديث جرى بيننا.
ثم أضاف يقول:
- بل إني لأذهب الى أبعد من ذلك فأقول: إن زواجاً كهذا الزواج يكون شقاء كبيراً لي أنا نفسي.
قالت كاتيا:
- ما أغرب أمرك! إنك لم تتغير.
وغادرت الشرفة لتصدر أوامرها بإعداد العشاء.
لم نقل بعد مغادرتها الشرفة كلمة واحدة، وكان كل شيء حولنا صمتاً. العندليب وحده أخذ يغرد، لا كما غرَّد في الليلة البارحة تغريداً متقطعاً متردداً، وإنما غرّّد تغريده الجميل الذي يطلقه في الليل متصلاً هادئاً بغير تعجل. وانتشرت ألحانه في الحديقة، فأجابه عندليب آخر كان بعيداً في الوادي تحت، أول مرة في هذا الفصل. فأما الذي كان أقرب إلينا فقد صمت لحظة كأنما ليحسن الإصغاء، ثم استأنف زغرداته بمزيد من الحماسة، فكان صوتاهما يترجّعان في عالمهما الليلي الموصد دوننا، ترجعاً هادئاً رائعاً. ومرَّ البستاني عائداً الى المزرعة التي يقيم فيها، وغاب وقع قدميه الثقيل في الطريق الضيق. وعند سفح التلة صفّر أحد الناس صفيراً حاداً مرتين، ثم عاد كل شيء صامتاً. وسُمع لأوراق الأشجار حفيف خفيف، وارتعش قماش الطنف، وحمل النسيم الى الشرفة شذى بقي فيها. وكنت أحس بحرج من التزام الصمت بعد الذي قيل، ولكنني لا أعرف كيف أقطع هذا الصمت. نظرت الى سرجي ميخائيلوفتش، فرأيت في شبه الظلمة أن عينيه الساطعتين تحدقان اليَّ.